سبب كرجم ماعز، وأبدلها في البرهان بالحكم الذي هو في معنى المنصوص عليه, كقياس صب البول في الماء بالبول فيه، لكنه جعل الثاني من كلام المصنف داخلا في القسم الأول، وأنكر داود الظاهري وأتباعه التعبد به شرعا، أي: قالوا: لم يرد في الشرع ما يدل على العمل بالقياس، وإن كان جائزا عقلا، وهذا الذي ذكره المصنف مخالف لما في المحصول والحاصل، فإن المذكور فيهما أن داود وأصحابه قالوا: يستحيل عقلا التعبد بالقياس كالمذهب الذي ذكره المصنف بعد هذا، لكنه موافق لما نقله عنه الغزالي وإمام الحرمين، وهو مقتضى كلام الآمدي وابن الحاجب أيضا، وذهب جماعة إلى أنه يستحيل عقلا التعبد بالقياس، ونقله المصنف عن النظام والشيعة، وفيه نظر من وجوه، منها أن صاحبي المحصول والحاصل وغيرهما نقلوا عن النظام أنه يقول بذلك في شريعتنا خاصة, قال: لأن مبناها على الجمع بين المختلفات والتفريق بين المتماثلات كما سيأتي. "ومنها" أن المصنف قد ذكر بعد هذا أن القياس الجلي لم ينكره أحد, وأن النظام يقول: إن التنصيص على العلة أمر بالقياس، فلزم من ذلك أن يكون مذهب النظام كمذهب القاشاني والنهرواني من غير فرق, وقد غاير بينهما وأن يكون مذهب داود والشيعة مخصوصا أيضا، ومنها أن الشيعة منقسمة إلى إمامية وزيدية، والزيدية قائلون بأنه حجة كما سيأتي في كلامه. قوله: استدل أي: استدل أصحابنا على كونه حجة بالكتاب, والسنة، والإجماع، والدليل العقلي، الأول: الكتاب وهو قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} ووجه الدلالة أن القياس مجاوزة بالحكم عن الأصل إلى الفرع، والمجاوزة اعتبار؛ لأن الاعتبار معناه العبور وهو المجاوزة، تقول: جزت على فلان أي: عبرت عليه، والاعتبار مأمور به لقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} وإلى الاعتبار أشار المصنف بقوله: وهو، فينتج أن القياس مأمور به. قوله: "قيل: المراد" أي: اعترض الخصم بثلاثة أوجه, أحدها: لا نسلم أن المراد بالاعتبار هنا هو القياس بل الاتعاظ، فإن القياس الشرعي لا يناسب صدر الآية؛ لأنه حينئذ يكون معنى الآية يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فقاسوا الذرة على البر، وهو في غاية الركاكة فيصان كلام البارئ تعالى عنه، وأجاب المصنف بأن المرد بالاعتبار هو القدر المشترك بين القياس والاتعاظ، والمشترك بينهما هو المجاوزة، فإن القياس مجاوزة عن الأصل إلى الفرع كما تقدم، والاتعاظ مجاوزة من حال الغير إلى حال نفسه، وكون صدر الآية غير مناسب للقياس بخصوصه لا يستلزم عدم مناسبته للقدر المشترك بينه وبين الاتعاظ، فإن من سئل عن مسألة فأجاب بما لا يتناولها فإنه يكون باطلا، ولو أجاب بما يتناولها ويتناول غيرها فإنه يكون حسنا، والاعتراض الثاني: أنه لا يلزم من الأمر باعتبار الذي هو القدر المشترك الأمر بالقياس، فإن القدر المشترك معنى كلي والقياس جزئي من جزئياته، والدال على الكلي لا يدل على الجزئي, وأجاب في المحصول بوجهين, أحدهما وعليه اقتصر المصنف: أن ما قاله الخصم من كون الأمر بالماهية الكلية لا يكون أمرا بشيء من جزئياتها على التعيين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015