وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122] ووجه الاستدلال أن الله تعالى أوجب الحذر، أي: الانكفاف عن الشيء, بإنذار طائفة من الفرقة, ويلزم منه وجوب العمل بخبر الواحد. أما كونه تعالى أوجب الحذر فلقوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ولعل الترجي ممتنع في حق الله تعالى؛ لأنه عبارة عن توقع حصول الشيء الذي لا يكون المتوقع عالما بحصوله ولا قادرا على إيجاده. وإذا كان الترجي ممتنعا فتعين حمل اللفظ على لازم الترجي وهو الطلب أي: الإيجاب إطلاقا للملزوم وإرادة للازم، فإنه مجاز محقق والأصل عدم غيره, فإن قيل: يكون الترجي باقيا على حقيقته ولكنه مصروف عن الله تعالى إلى الفرقة المتفقهة أي: تنذر قومها إنذار من يرجو حذرهم, وحينئذ فلا إيجاب. سلمنا لكن لا نسلم أن طالب المحمول عليه وهو الطالب المتحتم فقد يكون على سبل الندب قلنا: الحذر إنما يتحقق عند المقتضي للعقاب، وهو من خصائص الوجوب, وأما كون الإنذار بقول طائفة من الفرقة, فبناه المصنف على أن المتفقهين هم الطائفة النافرة حتى يكون الضمير في قوله تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا} , {وَلِيُنْذِرُوا} راجعا إليه, وهو قول لبعض المفسرين، وفيه قول آخر حكاه الزمخشري ورجحه غيره: أن المتفقهين هم المقيمون لينذروا النافرين إن عادوا إليهم. ووجه ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إنزال الوعيد الشديد في حق المتخلفين عن غزوة تبوك, كان إذا بعث جيشا أسرع المؤمنون عن آخرهم إلى النفير وانقطعوا جميعا عن استماع الوحي والتفقه في الدين, فأمروا أن ينفر من كل فرقة منهم طائفة ويقعد الباقون؛ ليتفقهوا، وينذروا النافرين إذا رجعوا إليهم. وعلى هذا فلا حجة؛ لأن الباقين كثيرون, وأما كونه يلزم منه وجوب العمل بخبر الواحد فلأن الإنذار هو الخبر الذي يكون فيه تخويف, والفرقة ثلاثة فتعين أن تكون الطائفة النافرة منها واحدا أو اثنين؛ لأنها بعضها، وحينئذ فيكون الإنذار حصل بقول واحد أو اثنين فينتج ذلك كله وجوب الحذر بقول واحد أو اثنين، وهو المدعى، وفيما قاله في الفرقة والطائفة نظر. فقد قال الجوهري: والفرقة طائفة من الناس, هذا لفظه. وقال الشافعي رحمه الله تعالى في صلاة الخوف وهو من أهل هذا الشأن: إن الطائفة أقلها ثلاثة. ونقله أيضا عنه القفال في الإشارة، نعم في صحاح الجوهري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَة} أي: واحد فصاعدا. قوله: "قبل ... إلخ" أي: اعتراض القائل بأنه لا يجب العمل بخبر الواحد على استدلالنا بهذه الآية بثلاثة أوجه, أحدها: أن لعل مدلولها الترجي لا الوجوب، والجواب أنه لما تعذر الحمل على الترجي حملناه على الإيجاب لمشاركته للترجي في الطلب كما تقدم إيضاحه مع ما يرد عليه, لكن تعليل المصنف بقوله: لمشاركته في التوقع لا يستقيم؛ لأنهما لو اشتركا في التوقع لكان المانع من حمل لعل على حقيقتها موجودا بعينه في الإيجاب. الثاني: لا نسلم أن المراد بالإنذار في الآية هو الخبر المخوف مطلقا بل المرد به الفتوى، وقول الواحد فيها مقبول اتفاقا كما تقدم، وإنما