الباطل ضد الحق. قال: "الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل خلافا للمعتزلة. لنا أن إبراهيم -عليه السلام- أمر بذبح ولده بدليل قوله تعالى: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] فنسخ قبله قيل: تلك بناء على ظنه, قلنا: لا يخطئ ظنه، قلنا: إنه امتثل وإنه قطع فوصل, قلنا: لو كان كذلك لم يحتج إلى الفداء قيل: الواحد بالواحد لا يؤمر وينهى, قلنا: يجوز للابتلاء". أقول: نسخ الوجوب قبل العمل جائز عندنا كما إذا قال الشارع: صل بعد الغروب ركعتين ثم قال صحوة لا تصل. وخالف فيه المعتزلة وبعض الفقهاء، وتعبير المصنف بقوله: قبل العمل يقتضي أنه لا فرق في الخلاف بين الوقت وما قبله وما بعده، فأما قبل الوقت أو بعد دخوله، ولكن قبل مضي زمن يسعه فمسلم، وفي معناه أيضا ما إذا لم يكن له وقت معين ولكن أمر به على الفور ثم نسخ قبل التمكين، نعم في جريان الخلاف بعد الشروع نظر يحتاج إلى نقل، وأما الصورة الثانية وهي ما بعد خروج الوقت فليس يحل الخلاف بل جزم ابن الحاجب بأنه لا يجوز، واقتضى كلامه الاتفاق عليه، وصرح في الأحكام في أول المسألة بالجواز، وأنه لا خلاف فيه، وهذا إنما يأتي إذا صرح بوجوب القضاء أوقلنا: الأمر بالأداء يستلزمه، وأما الصورة الثالثة وهي ما إذا وقع النسخ في الوقت لكن بعد التمكن من فعله فمقتضى كلام المصنف جريان الخلاف أيضا, وهو مقتضى كلام ابن الحاجب في أثناء الاستدلال وليس كذلك؛ فقد صرح الآمدي في الأحكام في أثناء الاستدلال بأن هذا جائز بلا خلاف وإنما الخلاف قبل التمكن. وصرح به أيضا ابن برهان في الوجيز وإمام الحرمين في البرهان فقال: والغرض من المسألة أنه إذا فرض ورود الأمر بشيء, فهل يجوز أن ينسخ قبل أن يمضي وقت اتصال الأمر به زمن يسع الفعل المأمور به؟ وعبارة المحصول والحاصل هل يجوز نسخ الشيء قبل مجئ الوقت؟ وعبارة التحصيل والأحكام وابن الحاجب قبل الوقت، ثم إن المسألة ليست خاصة بالوجوب بل غيره كذلك أيضا. لا جرم عبر في المحصول بالشيء كما تقدم نقله عنه. قوله: "لنا" أي الدليل على الجواز أن إبراهيم عليه السلام أمره الله تعالى أن يذبح ولده ثم نسخ ذلك قبل الفعل وهذا الولد قال في المحصول: إنه إسماعيل وقال جماعة: إنه إسحاق، وصححه القرافي فأما كونه أمر بالذبح فلثلاثة أوجه أحدها: قوله تعالى حكاية عن ولده: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] الآية جوابا لقوله: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] . الثاني: قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] . الثالث: قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] فلو لم يكن الذبح مأمورا به لما كان فيه بلاء ولم يحتج إلى الفداء، وأما كونه نسخ قبله فلأنه لو لم ينسخ لذبح، لكنه لم يذبح، ولم يستدل عليه المصنف لوضوحه. اعترض الخصم بأمرين أحدهما وهو اعتراض على المقدمة