الأشخاص، وإن يتبعها فله تعالى أن يفعل كيف يشاء ويحكم كيف يريد. الثاني: أن نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ثبتت بالدليل القاطع وهو المعجزة, وقد نقل لنا عن الله تعالى أنه قال: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] أي: نؤخرها {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ووجه الدلالة أن الاستدلال بالقرآن متوقف على ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وفي كون نبوته ناسخة لما قبلها، أو مخصصة قولان للعلماء، وحينئذ فنقول: نبوته -عليه الصلاة والسلام- إن توقفت على النسخ فقد حصل المدعي، وإن لم تتوقف عليه فالآية التي نقلها تدل على جواز النسخ. قال الإمام في تفسيره: وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأن قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} جملة شرطية معناها: إن ننسخ نأت وصدق الملازمة بين الشيئين لا يقتضي وقوع أحدهما, ولا صحة وقوعه. ومنه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ} [الأنبياء: 22] الآية, واستدرك صاحب التحصيل على كلامه في المحصول بكلامه في التفسير. وقد يقال: سبب النزول يدل على الوقوع، فإن سببه على ما نقله الزمخشري وغيره أن الكفار طعنوا فقالوا: إن محمدا يأمر بالشيء ثم ينهى عنه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فإن قيل: صحة الآية والاستدلال بها يتوقفان على صحة النسخ, فلو أثبتنا صحة النسخ بالآية لكان يلزم الدور, قلنا: لا نسلم بل الاستدلال بها متوقف على صحة النبوة. الدليل الثالث ولم يذكره في الحاصل: أن آدم -عليه السلام- كان يزوج الأخت من الأخ اتفاقا وهو الآن محرم اتفاقا. هكذا قرره الإمام وفيه نظر من وجهين أحدهما: لا نسلم أن التزويج كان بوحي من الله تعالى بل يجوز أن يكون يقتضي الإباحة الأصلية، ورفعها ليس بنسخ كما قدمناه. الثاني ما ذكره في المحصول: وهو أنه يجوز أن يكون قد شرع ذلك لآدم وبنيه إلى غاية معلومة وهي ظهور شريعة أخرى أو كثرة النسل أو غير ذلك، وقد تقدم أن هذا لا يكون نسخا. ونقل الآمدي وابن الحاجب وغيرهما عن التوراة أن فيها الأمر بالتزويج, فعلى هذا يسقط الاعتراض الأول. قوله: "قيل: الفعل الواحد" أي: استدل المانع بأن الأمر بالشيء يقتضي أن يكون حسنا والنهي عنه يقتضي أن يكون قبيحا, والفعل الواحد لا يكون حسنا وقبيحا لاستحالة اجتماع الضدين, فلا يكون مأمورا به منهيا عنه. وأجاب المصنف بأن هذا مبني على فاسد، وهو التحسين والتقبيح العقلي فيكون أيضا فاسدا، ومع هذا أي: ومع تسليم هذه القاعدة فلا استحالة، إذ يحتمل أن يحسن الفعل لشخص ويقبح لشخص آخر, أو يحسن الفعل في وقت ويقبح في وقت آخر كما تقدم. قال: "الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن ببعض, ومنع أبو مسلم الأصفهاني. لنا أن قوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] نُسخت بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] قال: قد تعتد الحامل به, قلنا: لا بل بالحمل وخصوصية السنة لاغٍ. وأيضا تقديم الصدقة على نجوى الرسول وجب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] ثم نُسخ قال: زال لزوال سببه وهو التمييز بين