قال: "الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ وفيه فصلان, الأول: في النسخ وهو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ عنه, وقال القاضي: رفع الحكم ورد بأن الحادث ضد السابق فليس رفعه بأولى من دفعه". أقول: النسخ لغة يطلق على الإزالة، ومنه: نسخت الشمس الظل، وعلى النقل والتحويل، ومنه: نسخت الكتاب أي: نقلته، والمناسخات لانتقال المال من وارث إلى وارث. وهل هو حقيقة في الإزالة مجاز في النقل أو بالعكس أو مشترك بينهما؟ فيه مذاهب حكاها ابن الحاجب من غير ترجيح، ورجح الإمام الأول، وقال: لأن النقل أخص من الزوال, فإن النقل إعدام صفة وإحداث أخرى. وأما الزوال فمطلق الإعدام، وكون اللفظ حقيقة في العام مجازا في الخاص أولى من العكس لتكثير الفائدة، واختلفوا في معناه الاصطلاحي ففسره القاضي برفع الحكم, واختاره الآمدي وابن الحاجب. ومعناه أن خطاب الله تعالى تعلق بالفعل, بحيث لولا سريان الناسخ لكان باقيا، لكن الناسخ رفعه، وفسره الأستاذ ببيان انتهاء حكم آخر, لكن الحصول والانتهاء في الحقيقة راجعان إلى التعلق. والتفسير بالبيان اختاره المصنف, وهو مقتضى اختياره في المحصول، فإنه ذكر في المسألة الثانية أن مقابله خطأ, لكنه اختار في المعالم أن النسخ عبارة عن الانتهاء وحذف لفظة البيان، فقوله: بيان كالجنس، وقوله: انتهاء خرج به بيان المجمل، وقوله: حكم شرعي دخل فيه الأمر وغيره، ودخل فيه أيضا نسخ التلاوة دون الحكم؛ لأن في نسخها بيانا لانتهاء تجويز قراءتها, وخرج به بيان انتهاء الحكم العقلي وهو البراءة الأصلية، فإن بيان انتهائها بابتداء شرعية العبادات ليس بنسخ لأنه ليس بيانا لحكم شرعي، إذ الحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى كما تقدم، والبراءة الأصلية ليست كذلك، وقوله: بطريق شرعي خرج به بيان انتهاء حكم شرعي بطريق عقلي كالموت والغفلة والعجز فلا يكون نسخا كما صرح به الإمام هنا، وصرح في الكلام على التخصيص بالأدلة المنفصلة بعكس ذلك، فقال: إن النسخ قد يكون بالعقل ومثل له بسقوط فرض الغسل بسقوط الرجلين، وإنما قال بطريق شرعي ولم يقل بحكم شرعي؛ لأن النسخ قد يكون بغير بدل، ودخل في الطريق للفعل والتقرير والقول سواء كان من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله: "متراخ عنه" خرج به