الفصل الثالث: في المبين له

قال: "الفصل الثالث: في المبين له. إنما يجب البيان لمن أريد فهمه للعمل كالصلاة، أو الفتوى كأحكام الحيض". أقول: يجب بيان المجمل لمن أراد الله تعالى فهمه؛ لأن تكليفه بالفهم بدون البيان تكليف المحال، ولا يجب بيانه لغيره؛ لأنه لا تعلق به, وقد أشار المصنف إلى هذين القسمين بإنما الدالة على الحصر، ثم إن إرادة الفهم قد تكون للعمل به تضمنه المجمل, كآية الصلاة، فإن المجتهدين أريدوا بالفهم ليعلموا بها، وقد تكون للفتوى به كأحكام الحيض, فإن تفهيم المجتهدين ذلك إنما هو لإفتاء النساء به، لا للعمل، وهذا الكلام ذكره أبو الحسين وتابعه الإمام وأتباعه عليه. وهو يدل على أنه لا يجب على النساء تحصيل العلم بما كلفن به وليس كذلك، بل الرجال والنساء سواء في وجوب ذلك على المستعد منهم دون غيره، إلا أن الغالب صدور الاستعداد من الرجال. "فروع" حكاها الآمدي وابن الحاجب: الأول: اللفظ الوارد إذا أمكن حمله على ما يفيد معنى واحدا، وعلى ما يفيد معنيين ولم يظهر كونه حقيقة في كل منهما أو في أحدهما فقط. فقال ابن الحاجب: المختار أنه مجمل لتردده بين هذين الاحتمالين من غير ترجيح، وقال الآمدي: المختار وهو رأي الأكثرين أنه ليس بمجمل بل نحمله على ما يفيد معنيين ولم يظهر كونه حقيقة في كل منهما أو في أحدهما فقط، فقال ابن الحاجب: المختار أنه مجمل لتردده بين هذين الاحتمالين من غير ترجيح، وقال الآمدي: المختار وهو رأي الأكثرين أنه ليس بمجمل, بل نحمله على ما يفيد معنيين تكثيرا للفائدة في كلام الشارع. الثاني: إذا ورد لفظ من الشارع له مسمى لغوي ومسمى شرعي فقد تقدم الكلام في بعضه في الفصل التاسع من الباب الأول. ويبقى النظر ههنا فيما إذا لم يكن حمل الكلام على مدلوله الشرعي، ولكن أمكن حمله على حكم آخر شرعي وعلى موضوعه اللغوي, فقال الغزالي: يكون مجملا وقال الآمدي وابن الحاجب: المختار أنه ليس بمجمل بل يحمل على الحقيقة الشرعية. ومثاله قوله عليه الصلاة والسلام: "الطواف بالبيت صلاة" 1 فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه كالصلاة حكما في الافتقار للطهارة، أو أنه مشتمل على الدعاء الذي هو صلاة لغة. الثالث: إذا قلنا: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب فالصحيح جوازه على التدريج, وقيل: يمتنع لأن إخراج البعض يوهم استعماله في الباقي. الرابع: إذا قلنا: لا بد من مقارنة المخصص للعام وإنه لا يجوز تراخي إنزاله عنه، فإذا نزل فهل يجوز إسماعه للمكلف بدون إسماعه, أي إسماع العام بدون إسماع الخاص, فيه مذهبان الصحيح الجواز، وصححه أيضا في المحصول؛ لأن فاطمة سمعت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} الآية ولم تسمع: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" وأمثاله كثرة. الخامس: ذهب الكرخي إلى أنه لا بد أن يكون البيان مساويا للمبين في القوة، وذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015