وقال أبو عبدة وأبو عمرو: وإنه كثير شعر الوجه وأما أخصم فإنه من باب المغالبة فنقول: خاصمته فخصمته بكسر الصاد أي: غلبته في الخصومة، قال الجوهري: وهو شاذ فإن قياسه الضم إذا لم تكن عينه حرف حلق تقول: صارعته فصرعته أصرعه بضم الراء. واعترض ما لا يعقل خاصة؛ لهذا نقل الآمدي أنه -عليه الصلاة والسلام- قال له: "ما أجهلك بلغة قومك, ما لما لا يعقل" وحينئذ فلا يكون إنزال قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} الآية للتخصيص بل لزيادة بيان جهل المعترض. الثاني: سلمنا أنها تتناولهم لكنهم مخصوصون بالعقل فإن العقل قاضٍ بأنه لا يجوز تعذيب أحد بجريمة صادرة من غيره لم يدع إليها، وهذا الدليل كان حاضرا في عقولهم حالة الخطاب، ثم نزلت الآية تأكيدا له، وأجاب المصنف عن الأول بما أجاب به الإمام وهو أن ما تعم العقلاء وغيرهم بدليل إطلاقها على الله تعالى في قوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 4] وهذا الجواب باطل؛ لأنه إن أراد الإطلاق بالمجازي فمسلم، لكن لا بد في الحمل عليه من قرينة ترشد إليه كالقرينة في قوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} وأما تكلف الحمل على المجاز بلا قرينة ليستدل به على الخصم كما صنع في قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} فباطل بالاتفاق، وإن أراد الإطلاق الحقيقي فهو مذهب مشهور ذهب إليه أبو عبيدة1 وابن درستويه2 ومكي بن أبي طالب3 وكذا ابن خروف4 ونقله عن سيبويه5 لكنه مناقض لما ذكره في أوائل العموم، ومخالف لمذهب الجمهور على أن في قوله تعالى: {وَمَا بَنَاهَا} تخاريج معروفة عند أهل العربية، وأجاب على الثاني بأن العقل إنما يخيل ترك تعذيبهم لعبادة الكفرة لهم, إذا علم بالعقل أيضا عدم رضاهم