المصنف قسمين آخرين للبيان، ذكرهما في المحصول أحدهما: الفعل من الله تعالى وهو خلق الكتابة في اللوح المحفوظ، والثاني: الترك من الرسول كتركه التشهد الأول, فإنه بيان لعدم وجوبه قلت: أما الترك فهو داخل في قسم الفعل على الراجح عند الأصوليين وقد صرح به ابن الحاجب في حد الوجوب، وأما الكتاب فتستحيل على الله تعالى في ذاته ولا يستحيل أن يخلقها في جسم, فصار كالبيان بالإشارة وعقد الأصابع، وقد ادعى الإمام انتفاءهما في حق الله تعالى, فنقول: لما ظهر استواء الكل لكان المقتضي لنفيهما مقتضيا لنفي الكتابة. قوله: "إن اجتمعا" أي: القول أو الفعل وتوافقا أي: في الدلالة على حكم واحد فالمبين هو السابق منهما، قولا كان أو فعلا لحصول البيان به, والثاني تأكيد له، ولا فرق في ذلك بين أن نعلم السابق أو نجهله كما قاله في المحصول1 وصححه ابن الحاجب, لكنا إذا جهلنا نحكم على السابق منهما من حيث الجملة. وقال الآمدي: الأشبه فيما إذا جهلنا، واختلفا في الترجيح, أن المرجوح يقدر متقدما حتى يكون هذا المبين، والراجح المتأخر تأكيد له؛ إذ لو انعكس الحال لكان المرجوح مؤكدا للراجح وهو ممتنع، وإن اختلفا كقوله -عليه الصلاة والسلام: "من قرن الحج إلى العمرة فليطف لهما طوافا واحدا" 2 مع ما روي أنه عليه الصلاة والسلام "قرن, فطاف لهما طوافين وسعى لها سعيين" فالأصح عند الإمام وأتباعه وابن الحاجب أن المأخوذ به هو القول سواء تقدم أو تأخر، أو لم يعلم شيء منهما لأنه يدل بنفسه, والفعل لا يدل إلا بواسطة أحد الأمور الثلاثة المتقدمة. فعلى هذا إن تأخر الفعل فيكون دالا على استحباب الطواف، الثاني: وإن تأخر القول كان ناسخا لإيجاب الطواف. الثاني: المستفاد من الفعل, وقال الآمدي: الأشبه أنه إن تقدم القول فهو المبين، وإن تأخر فيكون الفعل المتقدم مبينا في حقه حتى يجب عليه الطوافان, والقول المتأخر مبينا في حقنا حتى يكون الواجب طوافا واحدا عملا بالدليلين. وقال أبو الحسين البصري: المتقدم هو المبين دائما. قال: "الثانية: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأنه تكليف بما لا يطاق, ويجوز عن وقت الخطاب عدا المشترك. لنا مطلقا قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] قيل: البيان التفصيلي قلنا: تقييد بلا دليل، وخصوصا أن المراد من قوله تعالى: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] معينة بدليل ما هي وما لونها، والبيان تأخر. قيل: يوجب التأخير عن وقت الحاجة، قلنا: الأمر لا يوجب الفور قيل: لو كان معينة لما عنفهم, قلنا: للتواني بعد البيان وأنه تعالى أنزل: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: 98] فنقض ابن الزبعرى بالملائكة والمسيح, فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا} [الأنبياء: 101] الآية