قال: "وأحكامه في مسائل: الأولى: شرط المشتق صدق أصله خلافا لأبي علي وابنه, فإنهما قالا بعالمية الله تعالى دون علمه، وعللاها فينا به. لنا أن الأصل جزؤه فلا يوجد دونه" أقول: لما ذكر تعريف الاشتقاق وأقسام المشتق ذكر أحكامه في ثلاث مسائل؛ الأولى: شرط صدق المشتق أي: سواء كان اسما أو فعلا صدق أصله وهو المشتق منه, فلا يصدق ضارب مثلا على ذات إلا إذا صدق الضرب على تلك الذات, وسواء كان الصدق في الماضي أو في الحال أو في الاستقبال كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30] لكنه هل يكون حقيقة أو مجازا؟ فيه تفصيل يأتي في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى. ولقصد شمول الأقسام الثلاثة غيّر المصنف بقول: صدق أصله إذ لو قال: وجود أصله لكان يرد عليه إطلاقه باعتبار المستقبل, فإنه جائز قطعا مع أن الأصل لم يوجد, وهذه المسألة وإن كانت واضحة لكن ذكرها الأصوليون للرد بها على المعتزلة، فإنهم ذهبوا إلى مسألة خالفت هذه القاعدة كما ستعرفه فنقول: ذهب أبو علي الجبائي وابنه أبو هاشم وغيرهما من المعتزلة إلى نفي العلم عن البارئ سبحانه وتعالى، وكذلك الصفات التي أثبتها الأشعري كلها وهي ثمانٍ, مجموعة في قول بعضهم:
حياة وعلم قدرة وإرادة ... كلام وإبصار وسمع مع البقا
واعتمدوا في ذلك على شبهة سأذكرها في آخر المسألة, ومع ذلك قالوا بعالمية الله تعالى أي: بكونه عالما والعالم مشتق من العلم, فأطلقوا العالم وغيره من المشتقات على الله تعالى وأنكروا حصول المشتق منه, مع أن العلة في العالمية هو حصول العلم، وكذلك كل مشتق فإن العلة في صحة إطلاقه وجود المشتق منه، وقد عللوا العالمية التي فينا أي: في المخلوقات بالعلم, لكنهم قالوا: إن ذاته تعالى اقتضت عالميته وليست معللة بالعلم؛ لأن عالميته واجبة والواجب لا يعلل بالغير بخلاف عالميتنا. قوله: "لنا"