الذي ذكره لا دليل عليه في كلام المصنف مع أنه لا بد منه، وإلا يرد الأمر لكونه طلبا للماهية أيضا، والمصنف تبع في ذلك صاحب الحاصل وإنما سمي بالاستفهام؛ لأنه طلب للفهم، كاستعطى إذا طلب أن يعطى له إذ السين دالة على الطلب لكن الطلب في الحقيقة إنما هو بالأداة كهل ومتى، فإطلاق الاستفهام والطلب على اللفظ المركب من باب إطلاق اسم الجزء على الكل. وإن كان مع التسفل أي التذلل، فهو السؤال كقول العبد: اللهم اغفر لي. وقوله: "بالذات" يعني بالوضع، ومنهم من يعبر عنه بقوله: إفادة أولية, والكل بمعنى واحد, واحترز به المصنف عما يفيد بالطلب باللازم كقولك: أنا طالب منك أن تذكر حقيقة الإنسان، وأن تسقيني الماء، وأن لا تفعل كذا, فإنه لا يسمى الأول استفهاما، ولا الثاني أمرا, لا الثالث نهيا, بل هي إخبارات وكذلك التمني والترجي والقسم والنداء تفيد أيضا الطلب باللازم، وهذا الذي قرره فيه نظر من وجوه، منها أنه مناقض للمذكور في الأوامر والنواهي حيث قال: ويفسدهما أي: ويفسد اشتراط العلو والاستعلاء قول فرعون: ماذا تأمرونني؟ ومنها أنه خلط مذهبا بمذهب, فإن التساوي ليس قسيما للاستعلاء والتسفل بل للعلو، وهو أن يكون الطالب أعلى مرتبة كما سيأتي في باب الأوامر والنواهي، لكنه قلد الإمام في ذلك، ومنها أنه أهمل الطلب للترك تبعا لصاحب الحاصل, وهو وارد على التقسيم، وقد ذكره الإمام وغيره. وقالوا: فإنه ينقسم إلى الأقسام الثلاثة المذكورة في طلب التحصيل, لكنه مع الاستعلاء يسمى نهيا. قوله: "وإلا" أي: وإن لم يفد بالذات طلبا, وذلك بأن لا يدل على طلب أصلا كقام زيد أو يدل عليه لكن لا بالذات كقولك: أنا طالب كذا، ومنه التمني وغيره مما تقدم فينظر فيه, فإن كان محتملا للتصديق والتكذيب فهو الخبر كقولنا: قام زيد، وإنما عدل المصنف عن الصدق والكذب إلى التصديق والتكذيب؛ لأن الصدق مطابقة الواقع، والكذب عدم مطابقته. ونحن نجد من الأخبار ما لا يحتمل الكذب كخبر الصادق وقولنا: محمد رسول الله وما لا يحتمل الصدق كقول القائل: مسيلمة صادق، مع أن كل ذلك يحتمل التصديق والتكذيب؛ لأن التصديق هو كونه يصح من جهة اللغة أن يقال لقائله: صدق, وكذلك التكذيب وقد وقع ذلك فالمؤمن صدق خبر الله تعالى والكافر كذبه، وهذا الحد الذي ذكره المصنف للخبر قد ذكره الإمام في المحصول هنا وجزم به ثم أعاده في باب الأخبار وقال: إنه حد رديء؛ لأن التصديق والتكذيب عبارة عن الأخبار عن كون الخبر صدقا أو كذبا فتعريفه به دوري، ثم قال: والحق أن الخبر تصوره ضروري لا يحتاج إلى حد ولا رسم. قوله: "وغيره تنبيه" أي: غير محتمل التصديق والتكذيب هو التنبيه أي: نبهت به على مقصودك؛ وقال في المحصول: سمي به تمييزا له عن غيره، قال: وأنواعه تعلم بالاستقراء لا بالحصر، وتندرج فيه الأربعة التي ذكرها المصنف, والفرق بين التمني والترجي أن الترجي لا يكون إلا في الممكنات كقولك: لعل زيدا يقدم، والتمني يكون فيهما كقولك: ليت الشباب يعود. واعلم أن قولنا: أنا طالب كذا لم يصرح المصنف بكونه داخلا في قسم الخبر أو التنبيه, وفيه نظر.