[الْبَاب السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ فِي الحسبة عَلَى الأطباء والكحالين والمجبرين والجرائحيين]

الطِّبُّ عِلْمٌ نَظَرِيٌّ وَعَمَلِيٌّ، أَبَاحَتْ الشَّرِيعَةُ عِلْمَهُ وَعَمَلَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ وَدَفْعِ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ عَنْ هَذِهِ الْبِنْيَةِ الشَّرِيفَةِ. وَالطَّبِيبُ هُوَ الْعَارِفُ بِتَرْكِيبِ الْبَدَنِ، وَمِزَاجِ الْأَعْضَاءِ، وَالْأَمْرَاضِ الْحَادِثَةِ فِيهَا، وَأَسْبَابِهَا وَأَعْرَاضِهَا وَعَلَامَاتِهَا، وَالْأَدْوِيَةِ النَّافِعَةِ فِيهَا، وَالِاعْتِيَاضِ (42 ب) عَمَّا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا، وَالْوَجْهِ فِي اسْتِخْرَاجِهَا، وَطَرِيقِ مُدَاوَاتِهَا، لِيُسَاوِيَ بَيْنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَدْوِيَةِ فِي كَمِّيَّاتِهَا، وَيُخَالِفَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَيْفِيَّاتِهَا. فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مُدَاوَاةُ الْمَرْضَى، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى عِلَاجٍ يُخَاطِرُ فِيهِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ إلَى مَا لَمْ يُحْكِمْ عِلْمَهُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ مُلُوكَ الْيُونَانِ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ حَكِيمًا مَشْهُورًا بِالْحِكْمَةِ، ثُمَّ يَعْرِضُونَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ أَطِبَّاءِ الْبَلَدِ لِيَمْتَحِنَهُمْ، فَمَنْ وَجَدَهُ مُقَصِّرًا فِي عَمَلِهِ أَمَرَهُ بِالِاشْتِغَالِ وَقِرَاءَةِ الْعِلْمِ، وَنَهَاهُ عَنْ الْمُدَاوَاةِ. وَيَنْبَغِي إذَا دَخَلَ الطَّبِيبُ عَلَى مَرِيضٍ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ سَبَبِ مَرَضِهِ، وَعَمَّا يَجِدُ مِنْ الْأَلَمِ، [وَيَعْرِفَ السَّبَبَ وَالْعَلَامَةَ وَالنَّبْضَ وَالْقَارُورَةَ] ، ثُمَّ يُرَتِّبَ لَهُ قَانُونًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَغَيْرِهَا؛ ثُمَّ يَكْتُبَ نُسْخَةً بِمَا ذَكَرَهُ لَهُ الْمَرِيضُ، وَبِمَا رَتَّبَهُ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَرَضِ، وَيُسَلِّمَ نُسْخَتَهُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَرِيضِ، بِشَهَادَةِ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ عِنْدَ الْمَرِيضِ. فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ حَضَرَ وَنَظَرَ إلَى دَائِهِ، وَسَأَلَ الْمَرِيضَ، وَرَتَّبَ لَهُ قَانُونًا عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015