الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ
فِي الْحِسْبَةِ عَلَى الدَّلَّالِينَ وَالْمُنَادِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَخْيَارًا ثِقَات، مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ وَصِدْقِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَسَلَّمُونَ بَضَائِعَ النَّاسِ، وَيُقَلِّدُونَهُمْ الْأَمَانَةَ فِي بَيْعِهَا. وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَكُونُ شَرِيكًا لِلْبَزَّازِ، [وَلَا يَشْتَرِيهَا لِنَفْسِهِ] ، وَلَا يَقْبِضُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَكِّلَهُ صَاحِبُهَا فِي الْقَبْضِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمِدُ إلَى صُنَّاعِ الْبَزِّ وَالْحَاكَةِ، وَيُعْطِيهِمْ ذَهَبًا عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَبِيعَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمْ إلَّا هُوَ؛ وَهَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ لِنَفْسِهِ، وَيُوهِمُ صَاحِبَهَا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اشْتَرَاهَا (29 أ) مِنْهُ، وَيُوَاطِئُ غَيْرَهُ عَلَى شِرَائِهَا مِنْهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُونُ السِّلْعَةُ لَهُ، فَيُنَادِي عَلَيْهَا وَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا [مِنْ] عِنْدِهِ، وَيُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهَا لِبَعْضِ التُّجَّارِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَزَّازِ شَرْطٌ وَمُوَاطَأَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، فَإِذَا قَدِمَ إلَى الْبَزَّازِ تَاجِرٌ وَمَعَهُ مَتَاعٌ، فَإِنَّ الْبَزَّازَ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ الْمُنَادِي لِبَيْعِ الْمَتَاعِ، فَإِذَا فَرَغَ الْبَيْعُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ، أَعْطَى الْبَزَّازَ مَا كَانَ شَرْطُهُ لَهُ وَوَاطَأَهُ عَلَيْهِ؛ وَهَذَا حَرَامٌ عَلَى الْبَزَّازِ فِعْلُهُ. وَمَتَى عَلِمَ الْمُنَادِي [أَنَّ] فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ [بِهِ] ، وَيُوقِفَهُ عَلَيْهِ. وَعَلَى الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَعْتَبِرَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا قُلْنَاهُ، وَيَتَفَقَّدَ أَحْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ.