مِنْ طُولِهِ، وَأَذْيَالُهُ تُسْحَبُ عَلَى الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ: " يَا شَيْخُ، اذْهَبْ فَاحْتَسِبْ عَلَى نَفْسِك، ثُمَّ عُدْ، وَاطْلُبْ الْحِسْبَةَ عَلَى النَّاسِ ".

[فَصْلٌ لِيَكُنْ شِيمَةُ الْمُحْتَسِبِ الرِّفْقَ وَلِينَ الْقَوْلِ وَطَلَاقَةَ الْوَجْهِ وَسُهُولَةَ الْأَخْلَاقِ]

فَصْلٌ وَلْيَكُنْ [مِنْ] شِيمَتِهِ الرِّفْقُ، وَلِينُ الْقَوْلِ، وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَسُهُولَةُ الْأَخْلَاقِ. عِنْدَ أَمْرِهِ لِلنَّاسِ وَنَهْيِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] ، وَلِأَنَّ الْإِفْرَاطَ فِي الزَّجْرِ رُبَّمَا أَغْرَى بِالْمَعْصِيَةِ، وَالتَّعْنِيفُ بِالْمَوْعِظَةِ تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ، وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَأَمَرَهُ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، وَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: [يَا هَذَا،] إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك أَنْ يَلِينَ الْقَوْلَ لِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي، فَقَالَ لِمُوسَى، وَهَارُونَ: {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] ؛ ثُمَّ أَعْرَضَ [عَنْهُ] ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ (5 ب) إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَنَالُ بِالرِّفْقِ مَا لَا يَنَالُ بِالتَّعْنِيفِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ كُلَّ رَفِيقٍ، يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى التَّعْنِيفِ» .

وَلْيَكُنْ مُتَأَنِّيًا، غَيْرَ مُبَادِرٍ إلَى الْعُقُوبَةِ، وَلَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِأَوَّلِ ذَنْبٍ يَصْدُرُ [مِنْهُ] ، وَلَا يُعَاقِبُ [بِأَوَّلِ] زَلَّةٍ تَبْدُو؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ فِي الْخَلْقِ مَفْقُودَةٌ فِيمَا سِوَى الْأَنْبِيَاءِ [- صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -] وَإِذَا عَثَرَ بِمَنْ نَقَصَ الْمِكْيَالَ، أَوْ بَخَسَ الْمِيزَانَ، أَوْ غَشَّ بِضَاعَةً أَوْ صِنَاعَةً بِمَا يَأْتِي وَصْفُهُ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْغُشُوشِ، اسْتَتَابَهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَوَعَظَهُ، وَخَوَّفَهُ، وَأَنْذَرَهُ الْعُقُوبَةَ، وَالتَّعْزِيرَ؛ فَإِنْ عَادَ إلَى فِعْلِهِ عَزَّرَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ [بِهِ] مِنْ التَّعْزِيرِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015