ولما رجع صلّى الله عليه وسلّم من حجته إلى المدينة أقام بقباء ذا الحجة تمام سنة عشر من الهجرة، ثم دخلت سنة إحدى عشر، فأقام بها أيضا المحرّم وصفر، وفي يوم الأربعاء اخر صفر بدأ بالنبى صلّى الله عليه وسلّم وجعه، فحمّ وصدع، وأشار فيه إشارة ظاهرة بخلافة أبى بكر، بثنائه عليه على المنبر، لمّا فهم دون بقية الصحابة قوله في خطبته: «إنّ عبدا خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده، أنه صلّى الله عليه وسلّم يعنى نفسه، فبكى وقال: فديناك يا رسول الله بابائنا وأمهاتنا فقابله صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوّة الإسلام» ثم قال: لا يبقى في المسجد خوخة إلا سدّت، إلا خوخة أبى بكر (?) . زاد مسلم: «إن ذلك كان قبل موته بخمس ليال» ثم أكّد أمر الخلافة بأمره صريحا أن يصلّى بالناس (?) .
ولم يحج صلّى الله عليه وسلّم بعد أن فرض الحج إلا حجة الوداع، وكانت وقفته فيها الجمعة، وحجّ معه ألوف، حتى حج معه من لم يره قبلها ولا بعدها، ولم يحج بعد الهجرة غيرها، وأما بعد النبوة وقبل الهجرة، فحج ثلاث حجات، وقيل حجتين، وقيل كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر، واعتمر بعد أن هاجر أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضية، ويقال لها عمرة القضاء، وعمرة القصاص، وعمرة الجعرانة بكسر الجيم وسكون العين في إثر وقعة حنين، وعمرة مع حجته ولم يعدّ مالك بن أنس في الموطأ الرابعة عمرة، وقال: إنما اعتمر ثلاثا فقط؛ لأنه إنما