المسلمين- لمّا رأى كثرة جيش المسلمين-: لن يغلب هؤلاء من قلة، وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [التوبة: 25] فلما التقوا انهزم المسلمون، لا يلوى أحد على أحد، وانحاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات اليمين في نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته، واستمر صلّى الله عليه وسلّم ثابتا، وتراجع المسلمون (?) واقتتلوا قتالا شديدا، وقال النبى صلّى الله عليه وسلّم لبغلته الدلدل «البدى البدي» فوضعت بطنها على الأرض، وأخذ حفنة من تراب فرمى بها في وجه المشركين، وقال: «شاهت الوجوه» (أى خضعت وذلت) فلم تبق عين إلا دخل فيها من ذاك التراب، فكانت الهزيمة عليهم، ونصر الله المسلمين، وأنزل الله تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: 17] وقال عليه الصلاة والسلام: «أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب» (?) وهذا يدل على كمال شجاعته وتمام صولته وقوته صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ في هذا اليوم الشديد اختار ركوب البغلة التى ليس لها كرّ ولا فرّ، كما يكون للفرس، ومع ذلك توجّه نحو العدو واحده، ولم يخف صفته ونسبه، وما هذا كله إلا لوثوقه بالله وتوكله عليه، وليس قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا النبى لا كذب» إلى اخره من الشعر؛ لأن شرطه، كما تقدّم في بناء المسجد الشريف، أن يكون عن قصد ورويّة، وإنما قال صلّى الله عليه وسلّم: أنا ابن عبد المطلب، ولم يقل أنا ابن عبد الله؛ لأن العرب كانت تنسبه صلّى الله عليه وسلّم إلى جده عبد المطلب لشهرته، ولموت عبد الله فى حياته، فليس من الافتخار بالاباء الذى هو من عمل الجاهلية، كما تقدّم في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا ابن العواتك» (?) .

واستشهد من المسلمين أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا، وأفضى المسلمون في القتال إلى الذرية، فنهاهم عن ذلك، ونادى مناديه: «من قتل قتيلا فله سلبه» (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015