منها أنه تعالى أوجب قصدها للحج والعمرة الواجبين، وقصد المدينة سنّة، وإن فضّلت بإقامة النبى صلّى الله عليه وسلّم بعد النبوة فمكة أفضل؛ لأنه أقام بها ثلاث عشرة أو خمس عشرة، وبالمدينة عشرا، فإن فضّلت بكثرة الطارقين فمكة أفضل؛ لكثرة من طرقها من الأولياء والصالحين والأنبياء والمرسلين، فما من نبي إلا حجّها؛ وهى متبوّأ إبراهيم وإسماعيل، ومولد سيد المرسلين، وليست المدينة كذلك، وإن ذهب إلي تفضيلها علي مكة الإمام مالك. ولو صحّ الحديث السابق فهو مجاز لوصف المكان بما يقع فيه، كبلد امن، أو خائف، فوصف بأنه محبوب لما فيه مما يحبه الله من إقامة الرسول به إلي القيامة، وتكميل إرشاد الأمة والدين به، وأحسن من هذا أن يكون المعنى: كما أخرجتنى من أحب البقاع إليّ في أمر معاشى فأسكنّى الأحب إليك في أمر معادي، وهو ظاهر؛ فإنه لم يزل في زيادة من دينه وبلوغ أمره إلى إلي أن تكامل، وبشّر بذلك في قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... [المائدة: 3] الاية.
وسيأتى قريبا بيان ذلك على وجه أوضح.