ولما بلغ صلّى الله عليه وسلّم إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر (قبل الهجرة بسنة) أسرى به من حجر مكة المعظّم ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو أوّل القبلتين، وثانى المسجدين، وثالث الحرمين، لا تشدّ الرحال بعد المسجدين إلا إليه، ولا تعقد الخناصر (?) بعد الموطنين إلا عليه؛ فقد روى أبو هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدى هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصي» (?) ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات العلي، إلى سدرة المنتهى، إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام (?) .
قال الماوردى: كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فالمراد به الحرم، إلا فى قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 149] ، فإنه أراد به الكعبة، ولم يرد في أحاديث المعراج الثابتة أنه صلّى الله عليه وسلّم عرج به إلى العرش تلك الليلة، بل لم يرد في حديث أنه صلّى الله عليه وسلّم جاوز سدرة المنتهى، بل انتهى إليها.
وقد سئل الشيخ رضى الدين القزوينى رحمه الله عن وطء النبى صلّى الله عليه وسلّم العرش بنعله، وقول الرب جل جلاله «لقد شرف العرش بنعلك يا محمد» هل ثبت ذلك أم لا؟ (?) فأجاب بما نصه: «أما حديث وطء النبى صلّى الله عليه وسلّم العرش بنعله فليس بصحيح، وليس بثابت، بل وصول النبى صلّى الله عليه وسلّم إلى ذروة العرش لم يثبت في خبر صحيح ولا حسن ولا ثابت أصلا، وإنما صحّ في الأخبار انتهاؤه إلى سدرة