عيناه، وقال لها: «إن أحببت فأقيمى عندى مكرمة محبّبة، وإن أحببت أن ترجعى إلى قومك وصلتك» . قالت: بل أرجع إلى قومي. فأسلمت (?) ، وأعطاها النبى صلّى الله عليه وسلّم جارية وغلاما اسمه مكحول، فزوجت الجارية من الغلام، وكانت تحضنه صلّى الله عليه وسلّم وترقصه وتقول:
هذا أخ لى لم تلده أمى ... فديته من مخول معم
فأنمه اللهمّ فيما تنمي
ولعل هذا الرجز مصطنع بعد، أو كان مما يرقّص به الأطفال في ذلك الزمن. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عرض على كثير من النساء فلم يرضين رضاعه ليتمه وفقره؛ ويقلن: ماذا عسى أن يكون من أمه وجدّه إلينا لله إنما يكون الإحسان من الأب. فأخذته حليمة السعدية، وقالت: لعل الله أن يجعل لنا فيه البركة. فحقق الله رجاءها. واليتم والفقر نقص في حق الخلق؛ فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام مع هذين الوصفين أكرم الخلق، كان ذلك قلبا للعادة، فكان من جنس المعجزات، وقد قيل لجعفر الصادق: لم يتم صلّى الله عليه وسلّم من أبويه؟ قال: لئلا يكون عليه حق لمخلوق، وأيضا لينظر صلّى الله عليه وسلّم) إذا وصل إلى مدارع (?) عزه لأوائل أمره، ليعلم أن العزيز من أعزّه الله تعالى: وأنّ قوّته ليست من الاباء والأمهات، ولا من المال، بل قوتّه من الله تعالى، وأيضا ليرحم الفقراء والأيتام، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «ارحموا اليتامي، وأكرموا الغرباء؛ فإني كنت في الصغر يتيما وفي الكبر غريبا» (?) .