خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما، أضيعها دما وأذلّها أهلا!» قال الحسين: فأين أذهب يا أخى؟ قال: «انزل مكة، فإن اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال [1] وخرجت من بلد إلى أخرى، حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس، ويفرق لك الرأى، فإنك أصوب ما تكون رأيا وأخرمه عملا حين تستقبل الأمور استقبالا، ولا تكون الأمور أبدا أشكل منها حين تستدبرها!» قال: قد نصحت وأشفقت وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا إن شاء الله.
ثم دخل المسجد وهو يتمثل بقول يزيد بن مفرّغ:
لا ذعرت السّوام فى شفق [2] الصّبح ... مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطى من المهابة [3] ضيما ... والمنايا يرصدننى أن أحيدا
ثم خرج نحو مكة وهو يتلو فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
[4] ، ولما دخل مكة قرأ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ
[5]