وقال قوم منهم: لا تنفروا فى الحرّ زهادة فى الجهاد؛ فأنزل الله عزّ وجل فيهم:

(وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)

«1» ، وقال رهط من المنافقين: منهم وديعة ابن ثابت أخو بنى عمرو بن عوف، ورجل من أشجع، حليف لبنى سلمة يقال له:

مخشّ بن حميّر- وقيل: مخشىّ «2» - وغيرهما بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بنى الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا، والله لكأنكم غدا بهم مقرّنين فى الحبال، يقولون ذلك إرجافا وترهيبا للمؤمنين.

فقال مخشىّ: والله لوددت أن أقاضى على أن يضرب كلّ رجل منّا مائة جلدة، وأنا ننفلت أو ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه؛ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمار بن ياسر: «أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فاسألهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل لهم: بلى قد قلتم كذا وكذا» ، فانطلق إليهم عمّار، فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلّى الله صلّى الله عليه وسلّم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب.

وقال مخشىّ: يا رسول الله، قعد بى اسمى واسم أبى، فأنزل الله تعالى قوله:

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)

«3» . فكان مخشىّ بن حمير ممن عفى عنه، فتسمى عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم مكانه، فقتل يوم اليمامة، ولم يوجد له أثر. والله الموفق للصواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015