ويقال: إذا انتهى السرّ من الجنان إلى عذبة اللسان، فالإذاعة مستولية عليه.
وقال عمرو بن العاص [1] : القلوب أوعية للأسرار، والشّفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلّ امرئ مفتاح سرّه. قال شاعر:
صن السرّ عن كلّ مستخبر ... وحاذر فما الحزم إلا الحذر
أسيرك سرّك إن صنته ... وأنت أسير له إن ظهر
وكان يقال: الكاتم سرّه بين إحدى فضيلتين: الظّفر بحاجته، والسلامة من شرّ إذاعته.
ويقال: أصبر الناس من صبر على كتمان سرّه.
وقال آخر: كتمانك سرّك يعقبك السلامة، وإفشاؤه يعقبك الندامة، والصبر على كتمان السرّ أيسر من الندامة [2] على إفشائه. قال شاعر:
إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّها ... فسرّك عند الناس أفشى وأضيع
وقال آخر:
تبوح سرّك ضيقا به ... وتحسب كلّ أخ يكتم
وكتمانك السرّ ممن تخاف ... ومن لا تخافنّه أحزم
إذا ذاع سرّك من مخبر ... فأنت متى لمته ألوم
وكان يقال: لا تظهر كوامن صدرك بإذاعة سرّك، فيمكربك حاسدك، ويظهر عليك معاندك. قال عمر بن أبى ربيعة:
فقالت وأرخت جانب السّتر إنّما ... معى فتحدّث غير ذى رقبة أهلى
فقلت لها ما بى لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّى ليس يحمله مثلى