كانت العرب تحمد الأناة فى الرأى وإجالة الفكرة فيه وعدم التسرّع.
وكان عبد الله بن وهب الرّاسبىّ [1] يقول: إيّاى والرأى الفطير [2] ! وكان يستعيذ [بالله [3]] من الرأى الدّبرىّ؛ وهو الذى يسنح بعد الفوت.
وأوصى إبراهيم بن هبيرة ولده فقال: لا تكن أوّل مشير، وإيّاك والرأى الفطير؛ ولا تشيرنّ على مستبدّ، فإنّ التماس موافقته لؤم والاستماع منه خيانة.
وكان عامر بن الظّرب حكيم العرب يقول: دعوا الرأى يغبّ حتّى يختمر، وإيّاكم والرأى الفطير! يريد الأناة فى الرأى والتثبّت فيه. قال شاعر:
تأنّ وشاور فإنّ الأمو ... ر منها مضىء ومستغمض
فرأيان أفضل من واحد ... ورأى الثلاثة لا ينقض
وقال آخر:
الرأى كاللّيل مسودّ جوانبه ... والليل لا ينجلى إلا بإصباح
فاضمم مصابيح آراء الرّجال إلى ... مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح
وقال المتنبّى:
الرأى قبل شجاعة الشّجعان ... هو أوّل وهى المحلّ الثانى
فإذا هما اجتمعا لنفس حرّة [4] ... بلغت من العلياء كلّ مكان
وقال طاهر بن الحسين:
اعمل صوابا تنل بالحزم مأثرة ... فلن يذمّ لأهل الحزم تدبير