ومن أجود الرثاء وأصنعه وأتقنه وأبدعه مراثى أبى تمام حبيب بن أوس الطائى؛ فمن ذلك ما قاله يرثى به غالب بن السّعدىّ:

هو الدّهر لا يشوى وهنّ المصائب ... وأكثر آمال الرّجال كواذب

فيا غالبا لا غالب لرزيّة ... بل الموت لا شك الذى هو غالب

وقلت: أخى، قالوا: أخ من قرابة؟ ... فقلت لهم إن الشّكول أقارب

نسيبى فى رأى وعزم ومنصب [1] ... وإن باعدتنا فى الأصول المناسب

كأن لم يقل يوما: كأنّ، فتنثنى ... إلى قوله الأسماع وهى رواغب [2]

ولم يصدع النادى بلفظة فيصل ... سنانيّة فى صفحتيها التّجارب [3]

ومنها:

مضى صاحبى واستخلف البثّ والأسى ... علىّ، فلى من ذا وهذاك صاحب

عجبت لصبرى بعده وهو ميّت ... وكنت امرأ أبكى دما وهو غائب

على أنّها الأيام قد صرن كلّها ... عجائب حتى ليس فيها عجائب

وقال يرثى محمد بن الفضل الحميرىّ:

ريب دهر أصمّ دون العتاب ... مرصد بالأوجال والأوصاب

جفّ درّ الدنيا فقد أصبحت تك ... تال أرواحنا بغير حساب

لو بدت سافرا أهينت ولكن ... شغف الخلق أنّها فى النّقاب

إن ريب الزمان يحسن أن يه ... دى الرّزايا إلى ذوى الأحساب

فلهذا يجفّ بعد اخضرار ... قبل روض الوهاد روض الرّوابى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015