مخدّة وقال: بلغنى أن المعتصم دفع إليك فى أوّل يوم جلست بين يديه مخدّة، وقال: إنه لا يستجلب ما عند حرّ مثل إكرامه. ثم سأله: هل أكل؟ فقال نعم؛ فأمر أن يسقى. فلما شرب أقداحا قال: هاتوا لأبى محمد عودا؛ فجىء به فاندفع يغنّى بشعره:

ما علّة الشيخ عيناه بأربعة ... تغرورقان بدمع ثم ينسكب

قال ابن حمدون: فما بقى غلام من الغلمان الوقوف [على الحير [1]] إلا وجدته يرقص طربا وهو لا يعلم بما يفعل؛ فأمر له بمائة ألف دينار [2] . ثم انحدر المتوكل الى الرّقة وكان يستطيبها لكثرة تغريد الطير فيها؛ فغنّاه إسحاق:

أأن هتفت ورقاء فى رونق الضّحى ... على فنن غضّ النبات من الرّند

بكيت كما يبكى الوليد ولم تزل ... جليدا وأبديت الذى لم تكن تبدى

فضحك المتوكل ثم قال: يا إسحاق، هذه أخت فعلتك بالواثق لمّا غنّيته بالصالحيّة:

طربت إلى أصيبية صغار ... وذكّرنى الهوى قرب المزار

فكم أعطاك لمّا أذن لك فى الانصراف؟ قال: مائة ألف دينار [2] ؛ فأمر له بمائة ألف دينار [2] وأذن له بالانصراف [3] . وكان آخر عهده بإسحاق. توفى بعد ذلك بشهرين. وكانت وفاته فى شهر رمضان سنة خمس وثلاثين ومائتين. وكان يسأل الله تعالى ألا يبتليه بالقولنج [4] لما رأى من صعوبته على أبيه، فرأى فى منامه كأنّ قائلا يقول له: قد أجيبت دعوتك ولست تموت بالقولنج ولكنّك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015