وأقام ابن مهدى يستغل أملاكه سنين عدة، وهى مطلقة الخراج، فاجتمع له من ذلك مال، وكان يقول فى وعظه: «أيها الناس، دنا الوقت، أزف الأمر، كأنّكم بما أقول لكم وقد رأيتموه عيانا» ، فما هو إلا أن ماتت الحرة فى سنة خمس وأربعين حتى أصبح فى الجبال فى موضع يقل له الداشر [1] «من بلاد خولان» ثم ارتفع منه إلى حصن يقال له الشرف، وهو لبطن من خولان، يقال لهم خيوان- بإسكان الياء- وسماهم الأنصار وسمى كل/ (123) من صعد معه من تهامة المهاجرين، ثم [ساء ظنّه] [2] /بكل أحد ممن معه خوفا على نفسه، فأقام للأنصار رجلا من خولان يسمى سبأ بن يوسف وكناه «شيخ الإسلام» وللمهاجرين رجلا يسمى التّويتى لقبه أيضا شيخ الإسلام، وجعلهما نقيبين على الطائفتين، ولا يخاطبه ولا يصل إليه أحد سواهما، وربما احتجب فلا يرونه وهم يتصرفون فى الغزو، فلم يزل يغادى الغارات ويراوحها على تهامة حتى أخرب الحزوز المصاقبة [3] للجبال، والحبشة يومئذ تبعث الأبدال فى المراكز، فلا يغنون شيئا، فلم يزل ذلك دأبه مع أهل زبيد إلى أن أخلى جميع أهل البوادى، وقطع الحرث، ومنع القوافل، وكان يأمر أصحابه أن يسوقوا الأنعام والقوافل، وما عجز عن السير عقروه، ففعلوا من ذلك ما أرعب وأرهب، وقضى بخراب الأعمال، ثم توجه إلى الداعى محمد بن سبأ صاحب عدن إلى مدينة ذى جبلة فى سنة تسع وأربعين وخمسمائة، يستنجده على أهل زبيد، فلم يجبه إلى ذلك، فعاد إلى حصن الشرف، ودبر فى قتل القائد «سرور الفاتكى» فقتل فى سنة إحدى وخمسين وخمسمائة كما تقدم.
وانشغل رؤساء زبيد بالتنافس والتحاسد على رتبة القائد سرور، فكان ذلك مما أعان ابن مهدى، وفارق ابن مهدى حصن الشرف، وهبط إلى الداسر، وبينه وبين زبيد أقل من نصف يوم، فانضمت إليه الرعايا وعرب البلاد، فلما كثر جمعه زحف إلى زبيد فى جموع لا تحصى كثرة وحصر أهل زبيد بها،