ولما كان فى يوم الإثنين رابع شهر رمضان جرّد السلطان الأمير سيف الدين سلّار، والأمير عز الدين أيبك الخزندار، وغيرهم من العساكر يقفّون آثارهم. ثم ركب السلطان فى يوم الإثنين من مكان الوقعة وبات بالكسوة ودخل إلى دمشق فى بكرة نهار الثلاثاء خامس الشهر، هو والخليفة، ونزل بالقصر الأبلق [1] ، ثم بالقلعة، ونزل الخليفة بالتّربة الناصرية [2] ، وأقام السلطان بدمشق إلى ثانى شوّال، ورحل من دمشق فى يوم الثلاثاء الثالث من شوال ووصل إلى القاهرة، ودخل فى الثالث والعشرين منه، وشقّ المدينة، ونزل بالمدرسة المنصورية؛ لزيارة قبر والده السلطان الملك المنصور، ثم ركب وطلع إلى قلعة الجبل، واحتفل الناس لمقدمه احتفالا عظيما، وزيّنت القاهرة بزينة لم يشاهد مثلها فيما مضى، واستمرت الزينة بها بعد وصول الأمير بدر الدين بكتوت الفتّاح بكتاب البشارة، فى يوم الأحد عاشر شهر رمضان، إلى أن قدم السلطان بعد ذلك بأيّام.

وقد ذكر الناس هذه الغزوة نظما ونثرا، ووقفت ممّا عمل فيها على أشياء كثيرة، وقد رأيت أن أورد من ذلك ما نقف عليه من النظم والنثر، فكان ممن عمل فى ذلك القاضى الرئيس الفاضل علاء الدين على بن عبد الظاهر [3] صنّف فى خبر هذه الوقعة جزءا سماه الرّوض الزاهر فى غزوة الملك النّاصر [4] ابتدأه بأن قال: الحمد لله الذى أيّد الدين المحمدى بناصره، وحمى حماه بمن مضى هو وسلفه بأداء فرض الجهاد فى أوّل الزمان وآخره، وجعل من الذرّيّة المنصورية من يجاهد فى الله حقّ جهاده، ويسهر فى سبيل الله فيمنع طرف السيف أن يغفى [5] فى إغماده، ويقدم يوم الوغى والموت من بعوثه للعدى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015