منا إلا من لبس لأمة حربه، وأمسك عنان فرسه فى يده، وتساوى فى ذلك الأمير والمأمور، وكنت قد رافقت الأمير علاء الدين مغلطاى البيسرىّ أحد أمراء الطبلخانات بدمشق، لصحبة كانت بينى وبينه، فلم نزل على ذلك وأعنة خيلنا بأيدينا حتى طلع الفجر فصلّينا وركبنا، واصطفّت العساكر إلى أن طلعت الشمس وارتفع النهار فى يوم السبت المذكور، ثم أرسل الله مطرا شديدا نحو ساعتين ثم ظهرت الشمس، ولم نزل على خيولنا إلى وقت الزّوال، وأقبل التتار كقطع اللّيل المظلم، وكان وصولهم ووصول السلطان بالعساكر المصرية فى ساعة واحدة.
كان المصاف المبارك فى يوم السبت ثانى شهر رمضان المعظّم سنة اثنتين وسبعمائة، وهزيمة التتار فى يوم الأحد بعد الظهر، وذلك أن السلطان الملك الناصر- قرن الله مساعيه بالظفر، وحكمّ مرهفاته فى رقاب من طغى وكفر- حال وصوله إلى مرج الصّفّر بالقرب من شقحب [1] تولى [2] ترتيب عساكره فوقف- خلّد الله سلطانه- فى القلب وبإزائه الخليفة أمير المؤمنين أبو الربيع سليمان، وفى خدمته الأمير سيف الدين سلّار نائبه، والأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، والأمير عز الدين أيبك الخزندار المنصورىّ والأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار أمير جندار [3] ، والأمير جمال الدين أقش الأفرم نائب السلطنة بالشام، ومضافيهم، والمماليك السلطانية [4] هؤلاء فى القلب.