ومنه قول أيمن بن خزيم، في بشر بن مروان:
يا ابن الذوائب والذرى والأرؤس ... والفرع من مضر العفرنا الأقعس
وابن الأكارم من قريش كلها ... وابن الخلائف وابن كل قلمس
من فرع آدم كابراً عن كابر ... حتى انتهيت إلى أبيك العنبس
مروان إن قناته خطية ... غرست أرومتها أعز المغرس
وبنيت عند مقام ربك قبة ... خضراء كلل تاجها بالفسفس
فسماؤها ذهب وأسفل أرشها ... ورق تلألأ في البهيم الحندس
فما في هذه الأبيات يتعلق بالمدح الحقي، وذلك أن كثيراً من الناس لا يكونون كآبائهم في الفضل، ولم يذكر هذا الشاعر شيئاً غير الآباء، ولم يصف الممدوح بفضيلة في نفسه أصلاً، وذكر بعد ذلك بناءه قبة، ثم وصف القبة بأنها من الذهب والفضة، وهذا أيضاً ليس من المدح، لأن في المال والثروة مع الضعة والفهة ما يمكن معه بناء القباب الحسنة واتخاذ كل آلة فائقة، ولكن ليس ذلك مدحاً يعتد به، ولا نعتاً جارياً على حقه.
ومما نذكره في هذا الموضع، ليصح به شدة قبح هذا المدح، قول أشجع بن عمرو بما يخالف اليسار:
يريد الملوك مدى جعفر ... ولا يصنعون كما يصنع
وليس بأوسعهم في الغنى ... ولكن معروفه أوسع
فقد أحسن هذا الشاعر، حيث لم يجعل الغنى واليسار فضيلة، بل جعلها غيرهما، وقال أيضاً أيمن بن خريم في بشر:
فلو أعطاك بشر ألف ألفٍ ... رأى حقاً عليه أن يزيدا
وأعقب مدحتي سرجاً خلنجا ... وأبيض جوزجانياً عقودا
فإنا قد وجدنا أم بشر ... كأم الأسد مذكاراً ولودا
فجميع هذا المدح على غير الصواب، وذلك أنه أومأ إلى المدح بالتناهي في الجود أولاً، ثم أفسده في البيت الثاني بذكر السرج وغيره، ثم ذكر في البيت الثالث ما هو إلى أن يكون ذماً أقرب، وذلك أنه جعل أمه ولوداً، والناس مجمعون على أن نتاج الحيوانات الكريمة يكون أعسر، ومنه قول الشاعر: