بهم بعضُ ما بالناسِ لكن يَرُدُّهُم ... حَياً وعفافٌ عن دنئٍ المآكلِ
وأنشدنا:
يذكرني بشراً بكاءُ حمامةٍ ... على فنَن من بَطْنِ بِيشَةَ مائِلِ
فَتى مِثْلُ صَفْوِ الماءِ ليسَ بباخلٍ ... بخيرٍ ولا مُهْدٍ مَلاماً لباخِلِ
ولا مظهرٍ أحدوثةَ السوءِ معجباً ... بإعلانِهَا في المَجْلِسِ المتقابِلِ
ترى أهلهُ في نِعْمَةٍ وهو شاحِبٌ ... طَوِى البطنِ مخماصُ الضحَى والأصائِلِ
وأنشدنا لمحمد بن زياد الحارثي:
تخالهمُ للحلْم صُماً عن الخنا ... وَخُرْساً عن الفَحْشَاءِ عِنْد التهاجُرِ
ومَرْضَى إذا لاقوا حياءً وعفةً ... وعند الحفاظِ كالليوثِ الخوادِرِ
لَهُمْ ذُلُّ إنصافٍ ولينُ تواضُعٍ ... ومِنْ عِزِّهم ذلَّتْ رقابُ المَعَاشِرِ
كَأَنَّ بهمْ وصْماً يخافونَ عارَهُ ... وليسَ بهمْ إلا اتقاءُ المعايِرِ
ثم من الشعراء الآن من يجمل المديح، فيكون ذلك باباً من أبوابه حسناً أيضاً، لبلوغه الإرادة، مع خلوه من الإطالة، وبعد من الإكثار، ودخوله في باب الاختصار.
فمن ذلك قول الحطيئة:
تزورُ امراً يعطِى على الحَمْدِ مالهُ ... ومن يعطِ أثمانَ المكارمِ يحمدِ
يرى البخل لا يُبْقِى على المرءِ مالَهُ ... ويعلمُ أن المالَ غيرُ مخلَّدِ
كسوبٌ ومتلافٌ إذا ما سألتَهُ ... تهَلَّلَ واهْتَزَّ اهتزازَ المُهَنَّدِ
متَى تَأتِهِ تعشُو إلى ضوْءِ نارِهِ ... تجدْ خيرَ نارٍ عندهَا خيرُ موقِدِ
فقد تصرف في الأبيات الأول في أصناف المديح المتقدم ذكرها، وأتى بجماع الوصف وجملة المديح على سبيل الاختصار في البيت الأخير.
ومن ذلك قول الشماخ:
رأيتُ عرابة الأوسيَّ يَسْمُو ... إلى الخيراتِ منقطعَ القرينِ
إذا ما رايةٌ رفعتْ لمجدٍ ... تلقاهَا عرابةُ باليمينِ
وقد أومأ أبو السمط مروان بن أبي حفصة في مدحه شراحيل بن معن بن زائدة