ورأيت ما رأى النبي من زيد الخيل وحبيبٌ من أبي سعيد، فأنا إذا شاهدت طلعته أستفيد من العلى وأستزيد، ويزيد في إذا رأيته للثناء خلقٌ جديد.

فأستجلي أخلاقاً عذبة المذاق، وطباعاً مفصحة عن كرم أعراق.

إلى لطافةٍ تؤلف بين الوحشة والإيناس، وسيرة نظرت بها في سيرة ابن سيد الناس:

فإن يَكُ مِن جِدٍ أتاهُ فإنَّه ... تَوارَثُه آباءُ آبائِه قَبْلُ

وهل يُنْبِتَ الْخَطِّيَّ إلاَّ وَشِيجُهُ ... وتُغْرَسُ إلاَّ في مَنابِتِها النَّخْلُ

وناهيك بشرف بيتٍ أسباب السيادة عمده، وفخرٍ لا يستوفى على أمد الأزمنة أمده.

وقبيلٍ كريمةٍ فصيلته وشعوبه، ومحتدٍ كالرمح مطردةٍ أنابيبه وكعوبه.

ضربت عليه السيادة سرادقها، وتفوح الشرف هام فروعها وباسقها.

متصل خبرها المرفوع صحت أسانيده، ومرسل سيرها المقطوع به سلسلة رجاله الثقات وصناديده.

فيا لها من سلسلةٍ إذا تحركت أخبارها في المحافل، علم أنها سلسلة قومٍ يقادون إلى الجنة بالسلاسل.

ولعمري إن هذا السيد العظيم، حل من هذه النسبة الشريفة في صميم الصميم.

فله بين السادة، صدر الوسادة.

ومحله في الرجاجة، محل الرونق من الصباحة.

رقي من الفضائل ذراها، وتمسك من المحامد بأوثق عراها.

وخطب عرائس الكرم والوفاء، فبنى عليها بالبنين والرفاه.

وهو في البراعة واليراعة أمثل القوم، بل هو المنفرد فيهما من عهد نشأته سقاها عهد الغمام وإلى اليوم.

أحرز القصب إذ دأب، فكان أقل محرزاته أكثر الأدب.

يفسح للبيان مجالا، ويوضح منه غرراً وأحجالا.

ويشتار من جناه عسلا، ويهز من قناه أسلا.

فإذا نسب انتسبت إليه الرقة، وفاز من اللطاقة بمرتبةٍ للنهى مسترقة.

وإذا مدح اقتضب بعض صفاتٍ منه، ونعتها بنعوتٍ من الكمال تخبر عنه.

وقد اتحدت معه اتحاد روحٍ بشبح، وتمتعت من مفاكهته بملح تطرفتها وسبح.

مراعياً من حق النسبة ذمةً وإلا، وليس في محاسن تودده ما يستنثى بإلا.

فشرفني لا زال شرف السادة شادخاً في يمينه، وقلم البراعة راكعاً وساجداً في محراب يمينه.

برسالةٍ أخملت الخمائل، وعلمت الصبا لطف الشمائل.

عرضها في حلي البيان، ونقشها في فص الزمان، ليختم بها الإحسان.

وضمنها قصيدةً في مدح السادة الطهر، ألمع فيها بمناقب كالشمس وقت الظهر.

فما ترك في بيت، توهماً للوٍ وليت.

كيف وهم ممن لهم البيت والمقام، وإذا أخذ أحدهم القرطاس تسابقت إليه الدوي والأقلام.

ولما اجتليت تلك البكر، أعملت في محاكاتها الفكر.

فأدركني عن لحاقها التقصير، وعلمت أنه لا يجارى بحرها الطويل فعمدت إلى البحر القصير.

وإني وإن قصرت فما قصرت، وإن اختصرت فلغصن تلك الشجرة اهتصرت.

وغاية البليغ أن يعترف بالقصور في هذا الشان، ويعلم أن مدح بني المصطفى شرف المكان والزمان:

حَقّاً بنُو المصطفىْ الأماثلْ ... ما إنْ لهم في العُلَى مُماثِلْ

أهلُ الثنا عند كلِّ مُثْنٍ ... أخبارُهم بَهْجةُ المَحافلْ

أسماؤُهم للعُلَى حُروزٌ ... من أجْلِ ذا كلُّها حَمائِلْ

أقمارُ حُسْنٍ تُضِيءُ لكنْ ... لها قلوبُ الورَى مَنازِلْ

إن أعْوَزَ الآملين أمْرٌ ... كانوا لها أنْفعَ الوسائلْ

من كلِّ طَلْقِ الجَبِينِ سَمْحٍ ... تُثْقِل نَعماؤُه الكَواهِلْ

يُحاربُ العُسْرَ منه شَهْمٌ ... على العدى بالنَّوالِ صائِلْ

والكلُّ فَضْلٌ بلا انْتهاءٍ ... والفضلُ ما أنْتَج الفضائلْ

منهم حَسِيبُ الزمانِ فَرْدٌ ... أرْبَى على السادةِ الأوائِلْ

مُمْتَدُّ باعٍ إلى المَعالِي ... وفي بُرودِ الكمال رَافِلْ

من كاملِ المُنْتقَى لَدَيْهِ ... في ثَنْيِ بُرْدَيْهِ ألفُ كامِلْ

ذو منطقٍ لو يرُوم قُسٌّ ... يحْكِيه أعْيَى فصار باقِلْ

يُبْدِي إذا نظَّم القوافِي ... سِحْراً به تَمَّ أمرُ بابِلْ

يَراعُه إن سَقاهُ نِقْساً ... فالطِّرْسُ يُغْنِي عن الخمائِلْ

والعَنْبَرُ الرَّطْبُ من لَهاهُ ... يقْذِفُه البحرُ للسواحِلْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015