وفتَّشْتُ قلبي وجسمي فلمْ ... أجِدْ فيهما لسِواها مَحَلّ

وحالفْتُ سُهْدِيَ جُنْحَ الدُّجَى ... وخالفتُ يا صاحِ نَوْمَ المُقَلْ

أيا عاذلِي دَعْ مَلامِي ولا ... تسَلْ عن غرامِي بها لا تَسَلْ

أنا الْوالِهُ الصَّبُّ لا غَرْوَ أن ... لبِسْتُ ثيابَ التَّصابِي حُلَلْ

رعَى اللهُ دهراً بها قد مَضَى ... بوَصْلٍ ومنها سُقِيتُ الْعَلَلْ

وفيها صَفا باللِّقا خاطرِي ... وزالتْ كُروبِي بها والعِلَلْ

وماسَتْ بأعْطافها وانْثَنتْ ... دَلالاً بقَدٍ يفُوق الأسَلْ

وطافتْ بكأسِ الطِّلا في الدُّجَى ... كبدرٍ بِبُرجِ السُّعودِ اكْتَمَلْ

وقالتْ ألا أيها المُجْتَبى ... تَهَيَّ إلى الوَصْلِ وانْفِ المَلَلْ

سكِرتُ سكِرْتُ ووَقْتِي صَفَا ... ونَجْمِي بسَعْدِ السُّعودِ اتَّصَلْ

ونِلْتُ المُنَى حين وَاصَلْتُها ... ومَصَّيْتُ ثَغْراً يُحاكِي العَسَلْ

ونزَّهْتُ طَرْفِيَ في وَجْنةٍ ... غدا الوردُ مِن حُسْنِها في خَجَلْ

وهِمتُ بأقداحِ أحْداقِها ... وتَيَّمنِي غَزْوُها والغَزَلْ

فللهِ من أعْيُنٍ جَرَّدتْ ... سِهاماً وكم جَنْدَلتْ من بَطَلْ

رَنَتْ لي بها بعدَ ما أنْشدَتْ ... على عُودِها نَغْمةً مِن رَمَلْ

وأطْيارُ أُنْسِيَ قد غَرَّدتْ ... بمُعْربِ لَحْنٍ غَرِيبِ الْمَثَلْ

وَلِعْتُ بها وخلَعتُ السِّوَى ... وسَمْسَمَنِي رِدْفُها والكَفَلْ

فوُقِّيت في الحبِّ شرَّ العِدَى ... وفي كلِّ حالٍ بلغْت الأمَلْ

محمد بن عمر الخوانكي أديبٌ خبره متمتع الأسماع، وعشرته سلوى الأماني وحظ الأطماع.

لقيته بالروم والحال حالي، والعيش من كدر الأيام خالي.

وأنا وإياه حليفا صبا، وأليفا شمولٍ وصبا.

لم يشب مسك عارضينا بعارض، ولم يدر كافور التجارب منا في عارض.

فكنت أتمتع من لفظه بما ينعش كل خافٍ خافت، ومن معناه بما يحرك كل هافٍ هافت.

حتى غار القضا فأغار، واسترد مني ما كان أعار.

فانفصم ذلك العقد الثمين، وتفرقنا ذات الشمال وذات اليمين.

ثم رأيته بدمشق في سنة مائةٍ وألف، وقد عرض البياض لعارضه، كما صرح لي بعد معارضة.

وصرنا في بردٍ من الشيب منهج، بعد أن كنا في بردٍ من العيش مبهج.

فمما استتم السؤال عن كيفية الحال، حتى خاطبته على سبيل الارتجال:

لا تَعِيبَنَّ صُفْرةَ اللَّونِ منِّي ... واحْمِرارَ الدموعِ في أجفْانِي

فبَياضُ المَشِيبِ يُنْبِىءُ أنِّي ... غَيَّرتْنِي تَلوُّناتُ الزمانِ

فأملى علي من فصوله القصار، قوله: الموت الأحمر في الحظ الأسود، والعدو الأزرق في بني الأصفر، والشيب الأبيض في عدم العيش الأخضر.

وهذا كما تراه يعارض قول الحريري في المقامة الثالثة عشرة: فمذ اغبر العيش الأخضر، وازور المحبوب الأصفر، اسود يومي الأبيض، وابيض فودي الأسود، حتى رثى لي العدو الأزرق، فحبذا الموت الأحمر.

وقوله: العدو الأزرق يعني الشديد العداوة، أو الأزرق العين، يريد الروم؛ لأن أكثرهم زرق العيون، فبنو الأصفر على الأول بنو الذهب؛ وهم الدنانير، وعلى الثاني الروم.

ومن الأول تعرف أن الحريري عبر بالمحبوب، فلحظ جانب مدحه، كما فعل في المقامة الدينارية، حيث مدحه فقال:

أكْرِمْ به أصْفَرَ راقتْ صُفْرَتُهْ

إلى أن قال:

وحُبِّبَتْ إلى القلوبِ غُرَّتُهْ

وأما هو فعبر بالعدو، ولاحظ جانب ذمه تبعاً للحريري، حيث ذمه، فقال:

تَبّاً له من خادِعٍ مُماذِقِ ... أصْفَرَ ذي وَجْهيْن كالمُنافقِ

والموت الأحمر هو موت الفجاءة، وقيل: هو الموت الشديد، وهو القتل بالسيف، وذلك لما يحدث عن القتل من الدم، وقد يكنى عن الأمر المستصعب بالموت الأحمر، ويقال: سنةٌ حمراء، أي شديدة، وقيل: الموت الأحمر الفقر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015