وذكر المترجم، في شرحه على الشفاء، عند قوله: ومن دلائل نبوته أن الذباب كان لا يقع على ما ظهر من جسده الشريف، ولا يقع على ثيابه، ما ملخصه: وهذا مما قاله ابن سبع أيضاً، إلا أنهم قالوا: لا يعلم من روى هذا.

وهذا مما أكرمه الله تعالى به؛ لأنه طهره من جميع الأقذار.

وقد نظم هذا في رباعية، وهي:

مِن أكْرَم مُرْسَل عظيم جَلاَّ ... لم تَدْنُ ذُبابةٌ إذا ما حَلاَّ

هذا عَجَبٌ ولم يذُقْ ذو نَظَرٍ ... في الموجُوداتِ مِن حُلاه أحْلَى

قال: وتظرف بعض الأعاجم ومراده به الملا جامي فقال: محمد رسول الله ليس فيه حرفٌ منقوط؛ لأن النقط يشبه الذباب، فصين اسمه ونعته عن النقط.

ونظمه فقال:

لقد ذُبَّ الذُّبابُ فليس يَعْلُو ... رسولَ اللهِ محموداً مُحَمَّدْ

ونَقْطُ الحَرْفِ يُشْبِهُه بشكْلٍ ... لذاك الخطُّ عنه قد تجَرَّدْ

صَمَّمُوا آراءَهم على الفَتْك فيهِ ... فتَوارَتْ لخَوْفِه الآراءُ

ورأَوا نَفْيَه لِحَيٍ سِواهُمْ ... ولكم أثْبَتَ المِراءَ انتِفاءُ

لم يُصِبْ نَصْبُهم مَكائدَ شَرٍ ... وتَساوَى التَّحْذِيرُ والإغْراءُ

نَبْحُ كلبٍ بلَيْلةِ التِّمِّ بَدْراً ... لم يُفِدْه إلاَّ الْعَنَا والعُواءُ

منها:

ولِغَيْظٍ على سُراقةَ عَضَّتْ ... سُوقَ نَهْدٍ من تحتِه الدَّهْناءُ

وعلى أمِّ مَعْبَدٍ نَالَ حتى ... بعُلاهَا تحدَّث الأحْياءُ

ورَفِيعَ العِمادِ أصْبَح لمَّا ... أنْ حَوَى قَدْرَه الرَّفيعَ الْجَفاءُ

وبيُمْنٍ منه له الشَّاةُ دَرَّتْ ... وهْي للهِ دَرُّها عَجْفاءُ

وطَعامٌ لجابرٍ إذْ أتاه ... وبخَفْضِ الإضافةِ النَّعْماءُ

كطعامِ الجِنانِ من غيرِ قَطْعٍ ... لجميعِ الأنامِ فيه اكْتفاءُ

وله في وصف تلك الذات، التي وصفها أشهى اللذات، من قصيدة طويلة:

تملَّك حَبَّاتِ القلوبِ لأجل ذا ... دَعاهُ حَبِيباً كلُّ صَبٍ مُتَيَّمِ

ويوسُف لم يظْفَرْ بمَسْحةِ حُسْنِه ... على أنه رَبُّ الجمالِ المُكرَّمِ

يقال: عليه مسحةٌ من كذا، أي أثر. قال:

على وَجْهِ مَيٍ مَسْحةٌ مِن مَلاحةٍ

وفي الحديث: " عليه مسحةٌ من ملكٍ "، وهي تعبيرٌ بليغ، وهو خاصٌ بالمدح.

فأين النِّساءُ القاطِعاتُ أَكُفَّها ... وشَقُّ ابن مُزْنٍ صَدْرَه شَقَّ مُغْرَمِ

ودُرٌّ يَتِيمٌ لم يُهَذِّبْه كافِلٌ ... وآدابُه ليست إلى الناس تَنْتمِي

يقول أنا الأمِّيُّ في اللَّوحِ ناظِرٌ ... وفي مَكْتَبِ الأرْواحِ رَبِّي مُعَلِّمِي

منها:

إذا لاح في مَوْضُونَةِ السَّرْدِ خِلْتَهُ ... خِضَمّاً تَرَدَّى بالغَدِير المُنَسَّم

أأعْداءُه خُشْبٌ مُسَنَّدةٌ ولم ... تَحِنَّ حَنِينَ الجِذْعَ حين التَّألُّمِ

أم الصَّخْرُ إنَّ الصَّخْرَ سَلَّم إذْ بَدا ... وما سَلَّمتْ تسْليمَ أخْرسَ أعْجَمِ

منها:

فسَلْ يوم بَدْر حين لاحَتْ نُجومُه ... وشمسٌ بغَيْرِ النَّقْع لم تتثَلَّمِ

بكُلِّ كَمِيٍ كان في بَطْنِ أُمِّه ... تعلَّم أن يُغْذَى ويُرْوَى من الدَّمِ

لم أسمع في هذا المعنى أبدع من قول أبي بكر الإشبيلي المعروف بالأبيض، في تهنئة بمولود:

أصاخَتِ الخيلُ آذاناً لِصَرْختِهِ ... واهْتَزَّ كلُّ هِزَبْرِ عندما عَطَسَا

تعشَّقَ الدِّرْعَ مُذْ شُدَّتْ لَفائفُهُ ... وأبْغَضَ المهْدَ لمّا أبْصَرَ الْفَرَسَا

تعلّمَ الرَّكْضَ أيَّامَ المخاضِ بِهِ ... فما امْتطَى الخَيْلَ إلاّ وهْو قد فَرُسَا

وله من أخرى مستهلها:

يا ليْتنِي ثانٍ لِحادٍ حَداكْ ... ورابعُ الكَهْفِ لِكَهْفٍ حَواكْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015