يقْسُو فلا عَطْفٌ يُميِلُ غَصُونَهُ ... مع ما يُرَى في عِطْفِه مِن لِينِ

علَّمْتُه بابَ المُضافِ تفاؤُلاً ... بوِصاله وطَمِعْتُ أن يُدْنيني

فغَدَا يُعامِلني بضِدٍ مُذْ بدا ... ورَقِيبُه يُغْرِيه بالتَّنْوِينِ

وله في الغزل:

تَعطَّفْ بِمُضْنىً عليلِ المَقالْ ... ودَعْ عنك هذا الْجَفَا والمِطالْ

أَما قد عَلِمْتَ بأني امْرُؤٌ ... أُحِبُّ الجميلَ وأهْوَى الجمالْ

وأغْشَى المَغانِي إذا ما حَوَتْ ... لَطِيفَ البَنانِ حَلِيفَ الدَّلاَلْ

بسَهْمِ اللِّحاظِ إذا ما رَنَا ... أصاب فؤادِيَ دُون النِّصالْ

ووَرْدِيِّ خَدٍ إذا لاح لا ... هَمَى الطَّرْفُ منِّي بمثْلِ الّلآلْ

ووجهٍ يُبِيدُ سَناهُ البدورَ ... إذا ما تَبدَّى بجُنْحِ اللَّيَالْ

فصُبْحُ الجَبِينِ وليلُ الشُّعورِ ... بهذا الهُدَى وبهذا الضَّلاَلْ

وجسمٍ حكَى الماءَ في رِقَّةٍ ... عليه من الثَّغْرِ مِثْل الظِّلالْ

فخُذ ما صَفا لك مِن وُدِّهِ ... ولا تخْشَ عَاراً ولا أن يُقالْ

فما كُلُّ وَقْتٍ يُبِيحُ الزَّمانُ ... لِقَدٍ عَاطِلٍ هُوَ بالحُسْنِ حَالْ

ولا الدهرُ في كلِّ ساعاتِه ... يُغِيثُ الفقيرَ ببَذْلِ النَّوَالْ

وإن لاح فاجْتَلِ أنْوارَهُ ... فما كلُّ يومٍ يلُوح الهِلاَلْ

ولا تُمْهِلَنْ لَذَّةً أمْكَنتْ ... وباكِرْ صَبُوحَك قبَل الزَّوالْ

ولهذا الشيخ ولدٌ اسمه: أحمد نبيلٌ نبيه، قائمٌ في وقتنا مقام جده وأبيه.

وكنت قبل دخولي الحجاز سمعت بفضله، وبلوغه في المعالي مرتبة أصله.

فسجدت لله شكراً، وما زلت أجدد له ذكراً.

وأنا أشوق إليه من المحب إلى حبيبه، وأحن إليه من حنين المريض إلى طبيبه.

حتى لمحته بالمدينة لمحةً كشرب الطائر الوجل، أو قبسة القابس العجل.

لم تزل بها علة، ولا تروت بها غلة.

وقد بلغني أنه الآن هو المشار إليه ثمة بالبنان، الحائز قصب السبق في ميدان البيان.

أشرقت في سماء المجد مطالعه، ولم تتهيأ إلا لتحصيل الكمال مطامعه.

فالله يعيذه من عين كماله، ويجعل أمامه مطاياه إلى آماله.

ولم يبلغني له شعرٌ أنمق به الكتاب وأوشيه، وإذا بلغني لم آل من أني أذهبه به وأحشيه.

إبراهيم بن محمد بن أبي الحرم فاضلٌ بلغ من المعالي مرتقاها، وله معارف تستقبلها النفوس بالقبول وتتلقاها.

فمناطق الشكر له فصيحة اللسان، ومواهب الله تعالى به معهودة الإحسان.

لم يزل في عيشٍ موشاةٍ حواشيه بسوابغ الكرم، وهو في ظلال حرمة نبيه آمنٌ من حرام الحرم.

إلى أن انتقل إلى الدار الآخرة، فلا زالت تحيي قبره سحابة الرحمة الزاخرة.

وقد أوردت له من درره ما ألف نظمه بالشذر في عنق فتاة رود، فإذ نظرت رأيت أي سوالفٍ وخدود، عنت بين اللوى فزرود.

فمن ذلك قوله فيمن لبس بياضاً:

لَمَّا بَدَا مُبْيَضّا ... والقلبُ مُشْتاقاً إلَيْهِ

ناديتُ هذا قاتلِي ... والرَّايةُ الْبَيْضَا عليْهِ

وقوله:

صَادَفْتُه يجْلُو فَماً حَشْوُهُ ... شُهْدٌ ودُرٌّ وعَقِيقُ المُدامْ

وقلتُ يا مولايَ هل مَشْرَبٌ ... مِن رِيقِك العَذْبِ لِحَرِّ الغَرامْ

فقال جَوْرٌ منك أنت الذي ... تُدْعَى بإبراهيمَ طولَ الدَّوامْ

والنارُ بَرْداً وسلاماً غَدَتْ ... عليك ماذا الحَرُّ قلتُ السَّلامْ

وقوله:

جاء يسْعَى إلى الصلاةِ مَلِيحٌ ... يُخْجِلُ البدرَ في لَيالِي السُّعُودِ

فتمنَّيْتُ أنَّ وَجْهِيَ أرْضٌ ... حين أوْمَا بَوجْهِه للسُّجودِ

قلت: ذكرت هنا ما يحكى عن بعض الظرفاء، أنه مر بغلامٍ جميل، فعثرت فرسٌ في طينٍ، أصاب وجه الغلام منه نزرٌ، فقال الظريف: " يا ليتني كنت تراباً "، فسمعه بعض المارين، فقال للغلام: ما يقول هذا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015