تعساً لمن جاراه فه ... وَبغيرِ شكٍّ في غرورِ
لم يدرِ أنَّ صفاتِه ... في النَّاسِ عزَّتْ عن نظيرِ
لو كان ذا عقلٍ لَمَا ... قاسَ الجداولَ بالبحورِ
وكان بينه وبين السيد موسى الرَّام حمداني مراجعات، فكتب بعض الظرفاء عن لسانه إلى السيد قصيدةً شهيرة، كالشمس وقت الظهيرة، واقتضى الأمر عدم إخباره بذلك، فراجعه عنها بقوله:
يا دَير سمعان ذكَّرتني ... رسومكَ الدُّرَّسُ الدَّريسا
أودتْ بسكَّانكَ اللَّيالي ... ولم تدعْ منهم أنيسا
فلا أغَبَّتْك غادياتٌ ... ولا عدتْ ربعكَ الدَّريسا
والناسُ مثل الرُّسومِ إلا ... إذا جنوا فاخراً نفِيسا
فكتب إليه البديعي هذه القصيدة:
ليس إلا بالقرب ما بك يوسى ... من جوًى دونه يُذيبُ النُّفوسا
قد سقتْك الأيامُ خمرةَ وجدٍ ... وأدارت من البِعادِ كؤوسا
بعَّدت عنك من تحبُّ وهذا الدَّ ... هرُ يولي الفتى نعيماً وبوسا
أين أوقاتُك التي كنت فيها ... لم تبِتْ من رِضا حبيبٍ يَؤوسا
حيث يسقيكَ خَنْدريساً حبيبٌ ... ريقُه العذب يزدري الخَندرِيسا
ذو قوامٍ ما ماس في الرَّوضِ إلا ... علَّم الغصنَ قَدُّه أن يميسا
طالما زار في الدُّجى وثُريَّ ... اه تحاكي في المغرب الإنكيسا
غلساً خوفَ لائمٍ والذي يكْ ... تمُ وصلاً يحاول التغليسا
فسقى عهدَه بجِلِّقَ عهد الدَّ ... معِ من مقلتي وربعاً أنيسا
بلدةٌ ما ذكرتها قطُّ إلا ... حرَّك الشوقُ من غرامي رسيسا
واستهلَّت مدامعي كالغوادِي ... وغدا القلب من جَواه وطيسا
منذ فارقتُ أهلها لم يطبْ لي ... صفوُ عيشٍ يحبو نديماً سَؤوسا
منها:
من أناسٍ ذكوا أصولاً وكانوا ... من أناسٍ نموا وطابوا غُروسا
نصروا دين ربِّهم بمواضٍ ... كم أذلَّتْ جحافِلاً وخميسا
تقف النَّاسُ هيبةً ووَقاراً ... بحِماهم إذا رأوهمْ جلوسا
أذْهب الله عنهم الرِّجسَ والفح ... شاءَ دون الأنامِ والتَّدليسا
وبعد أن رأى هذه القصيدة المنحولة، أخذه ما أقامه وأقعده، وملكه ما أزعجه وأكمده.
ولم يبقى أحدٌ إلا زاره واشتكى، وزأر وبكى. فكتب إليه معتذراً:
ما لموسى الشَّريف أصبحَ يبدي ... بعد ذاك الإقبالِ هجري وصدِّي
ما كفى أنه أراد لي الكيْ ... دَ مراراً ولم ينل غير وجدِ
زار دار النَّقيب ذي الفضلِ من أو ... صافَه الغرُّ ليس تُحصى بعدِّ
ذي المعالي والمكرمات حجازي ... من غدا في الأنامِ من غيرِ نِدِّ
سيدٌّ جوده لو اقتسمته النَّا ... سُ طرًّا لم تلق طالبَ رِفدِ
الجليل الشَّهيرُ بابن قضيب ال ... بان لا زال للورى بدر َسعدِ
واشتكى عنده وذمَّ ولكن ... ذَمُّ مثلي من مثله ليس يجدي
شاتماً ملء فيهِ في معرض الهز ... لِ ووالله لم يرم غير جدِّ
مُسبلاً دمعهُ كأنَّ حبيباً ... بعد قربٍ رماهُ منه ببعدِ
مبدياً من حرارة القهرِ ما لو ... حلَّت الكونَ لم يكن كُنهَ بردِ
وبدا مغرماً كأن بشَتمي ... آدميٌّ غدا بصورةِ قردِ
والذي أوجبَ التَّخاصم أني ... كنت قدْماً منحته صفوَ وُدِّي
ثمَّ كلَّت قريحتي عن مديحٍ ... فاستعارت له حديقة حمدِ
ورآها من بعد حولٍ وشهري ... ن بدرجٍ قد كان من قبلُ عندي
فبدا منه ما بدا وسقاني ... وتحسَّى من أكؤسِ الذمِّ وِردي
وعلى كلِّ حالةٍ سيِّدُ الأح ... كامِ أرجو وما سواه تَعدِّ