ولو كان نوراً لكان إيماناً في قلوب الصالحين، ويقينا في سرائر القوم المفلحين.

سلامٌ له لَذَّةُ الوارداتِ ... يرِدْنَ على المؤمِن المُحسِنِ

فلَو لاح كان سَناً يسْتسكِنُّ ... القلوبَ ويعلُو على الأعْيُنِ

ولو كان نُوراً لكان اليقي ... نَ في سِرِّ كلِّ فتىً مُوقِنِ

سلامٌ يفوح من مقعد صدقٍ قدسي، ويلوح من فوقه عرش كرسي.

تهبط به السكينة، بأسراره المصونة.

وتنزل به الملائكة والروح، إلى تلك الربوات والسوح.

وتعتني بتلك النفس التي سمت على النفوس، بتقديرٍ من الملك القدوس.

ويحيي بها عن الحي القيوم، بختام الرحيق المختوم.

ورحمة الله سبحانه، تشفع روحه وريحانه.

وليعلم سيدي أني قد أعفيت فواصلها، وعريت فقرها عن تفصيلها.

بشعر ليس من قريحتي، وبنات فكرتي.

وذلك أستر لثنائها، وأخفى لذمائها.

فعساني لو أودعتها نتائج قرائح البلغا، وأفكار الفصحا.

وسوائح روياتهم، وشوارد بدائهم.

لأكون كمن نصب مناراً على عيبها، وأقام دليلاً على بهرجها وزيفها.

أو كمن قلد شوهاء بعقود الدر المصون، ووشحها بأوشحة الإبريز المفصل باللؤلؤ المكونو.

وألبسها أرجوانيات الإبريسم، وحبرات الوشي المعلم.

وأكون كمن نظم حصاةً إلى شذرة، وأضاف فحمةً إلى درة.

ومن المعلوم أن الطبع للتطبع يقهر، وأن فضل الضد عند ضده يظهر.

وخسر من بدل دينار غيره بفلسه، والإنسان له بصيرةٌ على نفسه.

أوضحت ذلك لمولاي كي ينسب عند افتقادها إلى سواي بهرجها وزيفها، أو يعزو إلى غيري خطلها وحيفها.

فالسفيه جد السفيه، من يرمي بريئاً بعيبٍ هو فيه.

والأمل طامح، أن يحملها سيدي على كاهل التسامح، ويقلها على خطوات التغاضي، ويمشي بها في جادة التجاوز، ويسلك بها سبيل التصفح عما تضمنته من العيوب.

فسيدي قدوة أرباب العفو، وإمام أهل التجاوز، وقبلة ذوي السماح ودليل ألي الفضل للفضل.

بعد السلام. وهو في كنف رعاية الله، وفناء حياطته، وظلال حفظه.

فأجابه والده بكتاب، صدره بهذه الأبيات:

رجوعُ شبابٍ أو وُرودُ كتابِ ... أزالاَ خُطوباً للنَّوى بخطابِي

وأبْدَلَ ذهني قُوَّةً وأعادَ لي ... وقد كنتُ شيخاً عُنْفُوانَ شبابِي

صدورٌ بها شَرْحُ الصدورِ وجدْتُها ... طَلاسِم قد جاءتْ بكلِّ عُجابِ

تعلَّقْتَها عند الكروبِ تَمِيمةً ... لتفْريجِ همٍ أو لنَيْلِ طِلابِ

وما ذاك نَفْثُ السحرِ إذْ هو باطلٌ ... وهذِي أتتْ مَلأَى بكلِّ صوابِ

فأنَّى تُرى لي في الإجابةِ مَسْلَكاً ... يُناسِبها إن رُمْتُ رَدَّ جوابِ

فبَسْطاً لعُذْري أيها الولدُ الذي ... بخفْضِ جَنابِي عنه رَفْع جَنابِي

روضة بلاغة أنيقة، وحديقة فصاحةٍ غديقة.

رشفت سماء المعالي أرض ألفاظها فزكا نباتها، وهبتها لواقح البيان، فنتجت في أحسن الصور أبناءها وبناتها.

وتبختر فيها بديع زخرف أنواره، فاهتزت وربت بزاهي زواهر مكنونات أسراره فأوراقها من أوراق الجنة، وأزهارها ضاحكةٌ مفترةٌ مفتتنة.

تفتر عن كل ثغرٍ بديع، وكل فصولها دائمة الفواكه دانية القطوف فكل فصلٍ منها ربيع.

يتبارى فرسان نفائس المعاني على مضمرات مراكيب مراكبها من يكون المجلى والسابق، ويتنافس منظومها والمنثور في السبق إلى ما بين العذيب وبارق، فكلها مجلٍ هناك لا مصلٍ ولا لاحق.

فقرٌ تبالغت في البلاغة إلى أن غدت الفرائد في أساليبها خوارق، موشحة بسموط نظم لها من نفسها معبد ومخارق.

فرائض لم ترض همة منشئها بين أبكارها إلا ما هو مبتكرها، وأبت قريحة التزيين بعوادي العوادي فما حلا لذوقه مكررها.

فبرزت للجنان جنان، حورها عينٌ لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان.

فلا ينفك المتنعم بها في كل آن، هو في شان، حتى ينتهي منها إلى ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على الأذهان.

ولم لا تكون كذلك؟ ومنشئها ذو اليد البيضاء في معجزات البلاغة، الذي آنس من جانب الطور نارا، والضارب بقلمه بحرها فانفلق فلم يقبل الدر إلا كبارا.

فلذلك رجع وهو من نفثة سحرها الكريم الكليم، فأصبح وعصا حجته تلقف ما صنع كل سحار عليم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015