الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فإن هذه المسألة (مسألة شد الرحل وإنشاء السفر)؛ لقصد قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لغرض ما يسمى بالزيارة.
هي مسألة كثر الجدل فيها بين المتأخرين خاصة، ولم تكن هذه المسألة عند المتقدمين كحجمها عند المتأخرين؛ لأن السلف رحمهم الله من الصحابة والتابعين وأهل القرون الثلاثة المفضلة كانوا من أشد الناس اتباعًا وأحرصهم على الخير وهم أعظم الأمة تعظيمًا للتوحيد وخوفًا من الشرك وحذرًا من الوقوع في وسائله والذرائع إليه، ولما كان كل خلاف يرد إلى الله والرسول امتثالًا لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59]، ولقوله: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، فالواجب الرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه المسألة التي نحن بصددها قد جاءت فيها نصوص خاصة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وانضم إلى هذا فهم الصحابة - رضي الله عنهم - مع الإجماع على عدم شرعية ذلك واستحبابه فرأيت أن أكتب في هذه المسألة بحثًا أستخلصه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، كما ذكره أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي في كتابه «الصارم المُنكي في الرد على السبكي،» وهو كتاب مطبوع متداول، فلخصت كلام شيخ الإسلام - رحمه الله -،