واستمر على هذا مع أهل قرطبة في أحسن عشرة نحو ثمانية أشهر، حتى بلغه قيام الأندلسيين بالمرتضى المرواني في شرق الأندلس، فتغير عمّا كان عليه، وعزم على إخلاء قرطبة وإبادة أهلها، فلا يعود لأئمتهم بها سلطان آخر الدهر، وأغضى للبربر عن ظلمهم فعاد البلاء إلى حاله، وانتزع الإسلام من أهل قرطبة (?) ، وهدم المنازل، واستهان بالأكابر، ووضع المغارم، وقبض على جماعة من أعيانهم وألزمهم بمال، فلمّا غرموه سرّحهم، فلمّا جيء إليهم بدوابهم ليركبوها أمر من أخذ الدواب، وتركهم ينزلون إلى منازلهم على أرجلهم، وكان منهم أبو الحزم الذي ملك قرطبة بعد وصارت دولته بوراثة ولده معدودة في دول الطوائف، فانجمعت عن عليّ النفوس، وتوالى عليه الدعاء، فقتله صبيان أغمار من صقالبة بني مروان في الحمّام، وكان قتله غرّة ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة، وكان الصقالبة ثلاثة فهربوا واختفوا في أماكن يعرفونها، وصح عند الناس موته، ففرحوا، وكانت مدّته كما مر نحو عامين، وحقّقها بعض فقال: أحد وعشرون شهراً وستّة أيّام.
وكان الناصر علي بن حمّود - على عجمته، وبعده من الفضائل - يصغي إلى الأمداح، ويثيب عليها، ويظهر في ذلك آثار النسب العربي والكرم الهاشمي، ومن شعرائه المختصّين به ابن الحنّاط القرطبيّ (?) ، ومن شعره قوله (?) :
راحت تذكّر بالنسيم الراحا ... وطفاء تكسر للجنوح جناحا
أخفى مسالكها الظلام فأوقدت ... من برقها كي تهتدي مصباحا