الدعاء لهم، فلا جرم يودعهم بالدعاء لهم قبل أن يحال بينه وبين ذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم " إني بين أيديكم " أي أتقدم قبلكم، وقوله صلى الله عليه وسلم " بين أيديكم فرط " أي متقدم، وبين إذا أضيفت إلى الأيدي تستعمل فيما قبل زمانك وفيما بعده، والمعنى هنا في قوله " بين أيديكم " أي أتقدم قبلكم، وقوله صلى الله عليه وسلم " وأنا شهيد عليكم " فيه وجهان، أحدهما: أن يخلق الله في قلبه علماً ضرورياً يميز به بين البر والفاجر، فيشهد بما خلق الله في قلبه من ذلك، إذ لا تكون الشهادة إلا على أمر مشاهد، ومعلوم أنه لم يشاهد ما فعل بعده من أمته فيخلق الله له علماً بذلك، الوجه الثاني: أن يخبره الله تعالى بذلك كما في حديث الحوض: ليذدان عنه أقوام كما يذاد البعير الضال فأقول: ألا هلم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد غيروا بعدك، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً، فشهد بما أخبره الله تعالى به، وهو نظير ما روي في تفسير قوله تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً " من أن قوم نوح يقولون: كيف تشهدون علينا وزمانكم متأخر عن زماننا فيقولون: لأن الله تعالى قص علينا أخباركم في كتابه، فقال " إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه - إلى آخره ".
وقوله صلى الله عليه وسلم " وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا " نظره صلى الله عليه وسلم إلى الحوض فيه وجهان، أحدهما: أن يكون نظره إليه بقلبه، إذا كان قد أطلعه الله عليه ليلة الإسراء، فصار مرتسماً في قلبه، فيكون نظره إليه بعين قلبه، كما يرتسم في قلب أحدنا شكل بيته وما فيه من المتاع والثياب وغير ذلك؛ الثاني: أن يكون الله تعالى قد كشف له عنه، فيكون نظره إليه بعينه مشاهدة، وقوله صلى الله عليه وسلم " وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا " إن قيل: كيف قال ذلك وقد ارتد عن الإسلام من ارتد من العرب بعده فالجواب أنه إنما خاطب بذلك من لم يشرك من أصحابه ومن بعدهم من التابعين وغيرهم من أمته، ولم يراع رعاع العرب