تفد عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين، مجهشين بالبكاء، ناشدين الله والإسلام، مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته، فيسمع إليهم، ويصغي لقولهم، وترق نفسه لهم.
فما عبرت رسل ابن عباد البحر إلا ورسل يوسف بالمرصاد، ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبل عليهم، وأكرم مثواهم، واتصل ذلك بابن عباد، فوجه من إشبيلية أسطولاً نحو صاحب سبتة، فانتظمت في سلك يوسف، ثم جرت بينه وبين الرسل مراوضات، ثم انصرفت إلى مرسلها، ثم عبر يوسف البحر عبوراً سهلاً، حتى أتى الجزيرة الخضراء، فتحوا له، وخرج إليه أهلها بما عندهم من الأقوات والضيافات، وأقاموا له سوقاً جلبوا إليه ما عندهم من سائر المرافق، وأذنوا للغزاة في دخول البلد والتصرف فيه، فامتلأت المساجد والرحبات بالمطوعين، وتواصوا بهم خيراً، هذا مساق صاحب الروض المعطار.
وأما ابن الأثير (?) فإنه لما ذكر وقعة الزلاقة ذكر ما تقدم من فعل المعتمد بالأرسال وقتلهم، وتخوف أكابر الأندلس من الأذفونش، وأنه اجتمع منهم رؤساء، وساروا إلى القاضي عبيد الله (?) بن محمد بن أدهم وقالوا له: ألا تنظر إلى ما فيه المسلمون من الصغار والذلة وإعطائهم الجزية، بعد أن كانوا يأخذونها، وقالوا: قد غلب على البلاد الفرنج، ولم يبق إلا القليل، وإن طال هذا الأمر عادت نصرانية كما كانت أولاً، وقد رأينا رأياً نعرضه عليك، قال: وماهو قالوا: نكتب إلى عرب إفريقية، ونبذل لهم إذا وصلوا إلينا شطر أموالنا، ونخرج معهم مجاهدين في سبيل الله، فقال لهم: إنا نخشى إن وصلوا إلينا أن يخربوا بلادنا كما فعلوا بإفريقية، ويتركوا الإفرنج ويبدأوا بنا، والمرابطون أصلح منهم، وأقرب إلينا، فقالوا له: فكاتب أمير المسلمين، واسأله العبور إلينا أو إعانتنا بما تيسر من الجند، فبينما هم في ذلك يتراوضون إذ قدم عليهم المعتمد بن عباد