وكان فارق إشبيلية حين تولاها ابن هود، واضطرمت بفتنته الأندلس ناراً، ولما قدم مصر هارباً من تلك الأهوال تغيرت عليه البلاد، وتعدّلت به الأحوال، فلمّا سئل عن حاله، بعد بعده عن أرضه وترحاله، بادر وأنشد (?) :

أصبحت في مصر مستضاماً أرقص في دولة القرود

واضيعة العمر في أخيرٍ مع النصارى أو اليهود

بالجدّ رزق الأنام فيهم لا بذواتٍ ولا جدود

لا تبصر الدهر من يراعي معنى قصيدٍ ولا قصود

أودّ من لؤمهم رجوعاً للغرب في دولة ابن هود

وتذكرت بقوله أرقص في دولة القرود ما وقع لأبي القاسم ابن القطان، وهو ممّا يستطرف ويستظرف، وذلك انّه لما ولي الوزارة الزينبيّ دخل عليه أبو القاسم المذكور والمجلس حافل بالرؤساء والأعيان، فوقف بين يديه ودعا له، وأظهر الفرح والسرور، ورقص، فقال الوزير لبعض من يفضي إليه بسره: قبح الله هذا الشيخ، فإنّه يشير برقصه إلى قول الشاعر:

وأرقص للقرد في دولته

301 - ومن المرتحلين أبو عبد الله ابن جابر محمد بن جابر الضرير (?) ، من أهل المرية، ويعرف بشمس الدين بن جابر الضرير، وله ترجمة في الإحاطة ذكرناها مع زيادة عليها عند تعرضنا لأولاد لسان الدين ابن الخطيب، رحمه الله تعالى، ورحل إلى المشرق ودخل مصر والشام واستوطن حلب، وهو صاحب البديعية المعروفة ببديعية العميان، وله أمداح نبوية كثيرة وتواليف: منها شرح ألفية ابن مالك وغير ذلك، وله ديوان شعر وأمداح نبوية في غاية الإجادة، ومن نظمه رحمه الله تعالى مورّياً بأسماء الكتب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015