وحج سنة 516 وحج أيضاً سنة 518، ودخل دمشق وقرأ بصعيد مصر وبالإسكندرية، ثم مضى إلى العراق، وأقام ببغداد يعلم الصبيان وخدم السلطان محمود بن ملك شاه سنة 521، وأنشأ له معسكره مارستاناً ينقل على أربعين جملاً، فكان طبيبه، ثم عاد إلى دمشق ومات بها سنة 549، ودفن بباب الفراديس، وكان ذا معرفة بالأدب والطب والهندسة، وله ديوان شعر سمّاه نهج الوضاعة لأولي الخلاعة ذكر فيه جملة شعراء كانوا بمدينة دمشق كطالب الصوري ونصر الهيتي وغيرهما كعرقلة، وفيه نزهات أدبية، ومفاكهات غريبة، ممزوج جدّها بسخفها، وهزلها بظرفها، ورثى فيه أنواعاً من الدواب وأنواعاً من الأثاث وخلقاً من المغنين والأطراف، وشرح هذه الديوان ابنه الحكيم الفاضل أبو المجد محمد بن أبي الحكم الملقب بأفضل الدولة، وكان كثير الهزل والمداعبة، دائم اللهو والمطايبة، وكان إذا أتاه الغلام وما به شيء فيحس نبضه ثم يقول له: تصلح لك الهريسة، وكان أعور فقال فيه عرقلة:
لنا طبيبٌ شاعرٌ أعورٌ أراحنا من طبّه الله
ما عاد في صبحة يومٍ فتىً إلا وفي باقيه رثّاه
وله أيضاً يرثيه:
يا عين سحيّ بدمعٍ ساكبٍ ودم ... على الحكيم الذي يكنى (?) أبا الحكم قد كان لا رحم الرحمن شيبته ولا سقى قبره من صيّب الدّيم
شيخاً يرى الصلوات الخمس نافلةً ويستحلّ دم الحجاج في الحرم
ومن كنايات أبي الحكم المستحسنة قوله:
ألم ترني أكابد فيك وجدي وأحمل منك ما لا يستطاع