هان عليه أربع، وابتلي بأربع، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع وأثابه في الآخرة بأربع، قلت له: فسّر - رحمك الله تعالى - ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات من قلب صافٍ بشرحٍ كافٍ وبيان شاف طلباً للأجر الواف، فقال: نعم، أما الأربع التي تحتاج إلى كتبها فهي أخبار الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، وشرائعه، والصحابة، رضي الله تعالى عنهم، ومقاديرهم، والتابعين وأحوالهم، وسائر العلماء وتواريخهم، مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمانهم، كالتحميد مع الخطب، والدعاء مع التوسّل، والبسملة مع السورة، والتكبير مع الصلوات، مثل المسندات والمرسلات، والموقوفات والمقطوعات، وفي صغره وفي إدراكه، وفي شبابه وفي كهولته، عند فراغه وعند شغله، وعند فقره وعند غناه، بالجبال والبحار، والبلدان والبراري، على الأحجار والأخزاف، والجلود والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق، عمّن هو فوقه وعمّن هو مثله وعمّن هو دونه، وعن كتاب أبيه يتيقّن أنه بخط أبيه دون غيره، لوجه الله تعالى طلباً لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله، عز وجل، منها، ونشرها بين طالبيها ومحبيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده، ثمّ لا تتم له هذه الأشياء إلاّ بأربع، هي من كسب العبد، أعني معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو، مع أربع هي من إعطاء الله تعالى، أعني القدرة والصحة والحرص والحفظ، فإذا صحت له هذه الأشياء كلّها هان عليه أربع: الأهل، والولد، والمال، والوطن، وابتلي بأربع: بشماتة الأعداء، وملامة الأصدقاء، وطعن الجهلاء، وحسد العلماء، فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله جل وعلا في الدنيا بأربع: بعز القناعة، وبهيبة النفس، وبلذّة العلم، وبحياة الأبد، وأثابه في الآخرة بأربع: الشفاعة لمن أراد من إخوانه، وبظل العرش حيث لا ظل إلاّ ظله، وبسقي من أراد من حوض نبيه، صلّى الله عليه وسلّم، بجوار النبيين في أعلى علّيين في الجنة، فقد أعلمتك يا بني بمجملات جميع ما سمعت من مشايخي متفرقاً في هذا الباب، فأقبل الآن إلى ما قصدتني له أو دع، فهالني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015