قد رغيره، وإن كان ولا بد من الانتصار مذهبه وتقوية حجّته فليكن ذلك بحسن أدب مع الأئمة، رضي الله تعالى عنهم، فإنّهم على هدى من ربهم، وقد ضلّ بعض الناس فحمله التعصب لمذهبه على التصريح بما لا يجوز في حق العلماء الذين هم نجوم الملّة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد حكى أبو عبد الله الوادي آشي - حسبما رأيته بخطه - أن القاضي عبد الوهاب ابن نصر البغدادي المالكي ألّف كتاباً لنصرة مذهب مالك على غيره من المذاهب في مائة جزء، وسمّاه النصرة لمذهب إمام دار الهجرة، فوقع الكتاب بخطّه بيد بعض قضاة الشافعية بمصر، فغرّقه في النيل، فقضى الله تعالى أن السلطان فرج بن برقوق سافر إلى الشام ومعه القضاة الأربعة وغيرهم من الأعيان لدفع تيمورلنك عن البلاد، فلم يستطع شيئاً، وهزم إلى مصر، وتفرّقت العساكر، وأخذ القضاة والعلماء أسارى ومن جملتهم ذلك القاضي، فبقي في أسرتيمورلنك إلى أن ارتحل عن الشام، فأخذه معه أسيراً إلى أن وصل إلى الفرات، فغرق فيه، أعني القاضي، فرأى بعض الناس أن ذلك بسبب تغريقه الكتاب المذكور، والجزاء من جنس العمل، والله تعالى أعلم.

بين أبن خلدون وتيمورلنك

وقد نجّى الله تعالى من هذه الورطة قاضي القضاة أبا زيد عبد الرحمن ين خلدون الحضرمي المالكي صاحب كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في تاريخ العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر فإنّه كان من جملة القضاة الحاضرين في الهزيمة، فلمّا أدخلوا على تيمورلنك قال لهم ابن خلدون (?) : قدّموني للكلام تنجوا إن شاء الله تعالى، وإلا فأنتم في أخبر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015