وقال ابن مسدي: إنّه كان جميل الجملة والتفصيل، محصّلاً لفنون العلم أخصّ تحصيل، وله في الأدب الشأو الذي لا يلحق، والتقدم الذي لا يسبق، سمع ببلاده من ابن زرقون والحافظ ابن الجد وأبي الوليد الحضرمي وبسبتة من أبي محمد ابن عبد الله، وقدم عليه إشبيلية أبو محمد عبد المنعم بن محمد الخزرجي فسمع منه، وأبو جعفر ابن مصلّي، وذكر أنّه لقي عبد الحق الإشبيلي، وفي ذلك عندي نظر، انتهى.

قلت: لا نظر في ذلك، فإن سيدي الشيخ محيي الدين ذكر في إجازته للملك المظفر غازي ابن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب ما معناه أو نصّه: ومن شيوخنا الأندلسيين أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله الإشبيلي، رحمه الله تعالى؛ حدّثني بجميع مصنّفاته في الحديث، وعين لي من أسمائها تلقين المهتدي، والأحكام الكبرى، والوسطى، والصغرى، وكتاب التهجد، وكتاب العاقبة، ونظمه ونثره، وحدّثني بكتب الإمام أبي محمد علي بن أحمد ابن حزم عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح عنه، انتهى.

وقال: إن الحافظ السّلفي أجاز له، انتهى. قال بعض الحفّاظ: وأحسبها الإجازة العامة.

وكان ظاهريّ المذهب في العبادات، باطنيّ النظر في الاعتقادات، وكان دفنه يوم الجمعة بجبل قاسيون، واتفق أنّه لمّا أقام ببلاد الروم زكاه ذاتيوم الملك فقال: هذا تذلّ له الأسود (?) ، أو كلاماً هذا معناه، فسئل عن ذلك، فقال: خدمت بمكّة بعض الصلحاء، فقال لي يوماً: الله يذلّ لك أعزّ خلقه، وأمر له ملك الروم مرّة بدارٍ تساوي مائة ألف درهم، فلمّا نزلها وأقام بها مرّ به في بعض الأيّام سائل، فقال له: شيء لله، فقال: ما لي غير هذه الدار، خذها لك، فتسلّمها السائل وصارت له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015