مجادلته، وكلامه، واتبعه على رأيه جماعة من أهل الجهل، وحل بجزيرة ميورقة، فرأس فيها واتبعه أهلها، فلمّا قدم أبو الوليد كلّموه في ذلك، فدخل إليه، وناظره وشهر باطله، وله معه مجالس كثيرة.
ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في البخاري قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر الصائغ وكفره بإجازة الكتب على الرسول الأمي، صلّى الله عليه وسلّم، وأنّه تكذيب للقرآن، فتكلّم في ذلك من لم يفهم الكلام، حتى أثاروا عليه الفتنة وقبّحوا عليه عند العامة ما أتى به، وتكلّم به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم:
برئت ممّن شرى دنياً بآخرةٍ ... وقال: إن رسول الله قد كتبا فصنف أبو الوليد رحمه اله تعالى رسالة بيّن فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة، فرجع بها جماعة؛ إذ ليس من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أمّيّاً لأنّه لا يسمّى كاتباً، وجماعة من الملوك قد أدمنوا على كتابة العلامة وهو أمّيون، والحكم للغالب لا للصورة النادرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام " إنّا أمّة أمّيون " أي: أكثرهم كذلك، لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: " هو الّذي بعث في الأمّيّين رسولاً منهم " انتهى، وبعضه بالمعنى.
وذكر ابن بسّام أن أبا الوليد الباجي نشأ وهمته في العلم، وأنّه بدأ بالأدب، فبرز في ميادينه، وجعل الشعر بضاعته، فنال به من كل الرغائب، ثم رحل فما حلّ بلداً إلاّ وجده ملآن بذكره، نشوان من قهوتي نظمه ونثره، فمال إلى علم الديانة، فمشى بمقياس، وبنى على أساس، حتى صار كثير من العلماء يسمعون منه، ويرتاحون للأخذ عنه، ثم كرّ واستقضي في طريقه بحلب، فأقام بها نحواً من عام.
قال: وبلغني عن ابن حزم أنّه كان يقول: لو لم يكن لأصحاب المذهب