بل كل منهم مطيع بفعل ما غلب على ظنه، كالمجتهدين في جهات الكعبة إذا غلب على ظن أحد منهم ضد ما غلب على ظن الآخر، فإنه لا يعصى بترك ما غلب على ظن صاحبه، بل يعصى بترك ما غلب على ظنه، وكل واحد منهما حكم الله - تعالى - في حقه ما أدى إليه اجتهاده من الجهات، فكذلك أفعال المكلفين يكون الفعل الواحد حراما حلالا بالنسبة إلى شخصين، كما تكون الميتة حراما حلالا بالنسبة إلى شخصين: المختار والمضطر، ونزل الشرع ظنون المجتهدين منزلة أحوال المكلفين من الاضطرار والاختيار، فالظنان المختلفان كالصفتين من الاضطرار والاختيار، والكل طرق إلى الله تعالى وأسباب السعادة الأبدية.
وقولنا: ((إذا حصل له سببه)) احترازا من أن يجتهد المجتهد في أحكام الصرف ولا مال له، أو في الزكاة ولا نصاب عنده، أوفي الجنايات ولا مجنى له أو في الأقضية ولا حكم له، أوفي أحكام الحيض والعدد، وهو رجل لا يتأتى ذلك منه، لكنه بحيث لو حصل له ذلك السبب كان حكم الله - تعالى - في حقه بمقتضى ذلك السبب.
وينبغى أن يعلم أنه ليس من شرط الوجوب أن يكون ممكنا، بل قد يكون مستحيلا، كقولنا: إن كان الواحد نصف العشرة، فالعشرة اثنان، وهو كلام صحيح، فقد قال الله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، فغلبوا الفساد على وجود الشريك، وهو مستحيل، فعلى هذا قولنا: ((إذا حصل له سبب)) يدخل فيه الممكن كمِلْك النصاب، والمستحيل عادة كأحكام الحيض، ونحوها في حق المجتهدين الرجال، ويصير القيد شاملا لجميع الأحكام.