الإجماع، لكن من أين لهذا العامى العلم به؟ بل أكثر الفقهاء لا يعرفه ولا شعور له به، وإذا لم يحضر العلم بالإجماع في ذهن العامى، لا تكون المقدمة الثانية معلومة له لعدم موجب للعلم من ذهنه، فلا يكون العلم حاصلا للعامى، بل عنده ظن نشأ عن ظاهر حال المفتى، وهو أن الظاهر من حال من انتصب للفتيا بين المسلمين ألا يفتى إلا بحكم الله تعالى، أما القطع فلا، فعلى هذا يكون العامى خارجا عن الحد بقوله في القيد الأول العلم بالأحكام، فهذا القيد حَشْو في الحد، والحشو في الحدود لا يجوز.
قلت: أما خلاف معتزلة ((بغداد))، فمسبوق بإجماع الصحابة -رضي الله عنهم- فإنهم ما كانوا يُنكرِون على جُلف الأعراب وعوام الناس استفتاءهم لفقهاء الصحابة، بل لو أقدموا على التصرفات بغير استفتاء ذموهم، فالإجماع حاصل. وأمَّا أنَّ هذا الإجماع يجهله كثير من الفقهاء فضلا عن العوام فصحيح، غير أن الحدود يحترز فيها عن النقوض، وإن كان وقعها نادرا جدا، وليس من المستحيل في مجارى العادات اطِّلاع جماعة من العوام الذين يخالطون الفقهاء والفضلاء من غير اشتغال بالفقه أن يطلعوا على هذا الإجماع، فتلك الطائفة إذا استفتت حصل لها العلم، لأن المقدمتين عندها معلومتان، فاندفع السؤال بهذه الطائفة وإن قلَّت.
السؤال الرابع: على قوله: ((على أعيانها)) لفظ العَيْن ظاهر في إرادة أشخاص الأحكام، وحينئذ يقال: ما مرادك بقولك: على أعيانها؟ أتريد أن على كل عَيْن من أعيان الاحكام دليلا يخصه؟ أو تريد أن الاستدلال يقع في كل عين ولو بدليل عام؟
إنْ أردت الأول خرج الفقه من الحد، فإنه لا يوجد غالبا أدلة خاصة بأعيان المسائل، بل إنما تثبت الأحكام في أعيان المسائل بعموم الأدلة، وفتجب الزكاة في هذا المال المخصوص بعموم قوله تعالى: ((وآتوا الزكاة))