أراد بالتركب منهما حصول مقدمة من العقل لولاها لم يحصل المطلوب هي صغرى القياس، أو كبراه، أو تتوقف عليها إحداهما، كما تقدم في أن العلم التواتري مركب من العقل والحس، فإنه لولا قول العقل: هؤلاء يستحيل تواطؤهم على الكذب، لو فقدت لانتفى العلم التواتري، وهاهنا اللزوم حاصل، وإنما العقل تفطن لوجه اللزوم مع وقوعه في نفس الأمر، وفي صورة التواتر، ونحوه اللزوم ليس حاصلا إن كان المراد بالتركيب هذا المعنى فالسؤال متجه، وإن كان المراد بالنقل قول القائل: هذه الصيغة للعموم، أو هذه للخصوص، أو للفرس، أو للطير، ونحو ذلك، فما هو صريح هكذا لا يحتاج لا يحتاج لفكره،
وبالمركب منهما ما يحتاج إلى فكره لم يرد السؤال؛ لأنه لم يوجد نقل على التقدير الذي ذكره الإمام قائل الصيغة للعموم، وإنما وجد نقلان في شيئين آخرين لا هما للعموم، ولا لازم العموم، بل قد يعرض الاستثناء للعموم، وقد لا يعرض، فتتعين صيغة العموم إنما جاءت حينئذ من جهة العقل مع النقل، فحسن إطلاق لفظ التركيب منهما، والإمام لم يدع إلا مطلق التركيب، لا تركيبا خاصا، ومن ادعى الأعم لا يرد عليه ما يرد على الأخص، فالسؤال مندفع.
"تنبيه"
ليس مراد العلماء بالنقل النقل عن الواضع، فإنه غير معلوم، فكيف ينقل عنه؟
بل المراد نقل الاستعمال عن أهل اللسان لا نقل الوضع، ويستدل بالاستعمال على أن الذي استعمل فيه اللفظ هو موضوعه ظاهرا بناء على مقدمة، وهي أن الأصل عدم المجاز، والنقل، فهذا هو تفسير النقل،
وجميع ما ينقله الخليل والأصمعي، وغيرهما من هذا الباب.