الزكاة إجماعا، إنما الخلاف فيما يتوقف عليه إيقاع الواجب وصحته بعد تقرر الوجوب، ففرق بين قول السيد لعبده: إذا نصبت السلم فاصعد السطح، وبين قوله: اصعد السطح، فالخلاف في النصب الثاني دون الأول؛ لأن الثاني مطلق والأول مقيد.
وقوله: وكان مقدورا للمكلف احتراز من عجزه عن نصب السلم؛ فإنه تكليف مالا يطاق، فإن جوزناه، فإنا لا نفرع عليه؛ لأنا لا نعتقد وجوبه في الشريعة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، فكل معجوز عنه عادة لا نعنى بوجوبه كان واجبا أصالة، أو توقف عليه واجب.
وقوله: "الأمور الوضعية لا يستقل العقل بدركها".
معناه: أن جميع الشرائع وغيرها من الأمور المكتسبة لا بد وأن يكون للعقل فيها مدخل، إذ من لا عقل له لا يحصل علما ولا ظنا مكتسبا، لكل لا يستقل العقل إلا في ثلاثة مواطن:
وجوب الواجبات، واستحالة المستحيلات، وجواز الجائزات، وما عدا هذه الثلاثة لا بد من أمر زائد على العقل من الحواس أو غيرها.
وقوله بعد هذا: " كما إذا بلغنا أنهم جوزوا الاستثناء في صيغة الجمع" يريد المعرف بالألف واللام، أو الإضافة، أو كان في سياق النفي نحو الرجال أو رجالك أو لا رجال لك.
أما النكرة نحو رجال، فلا عموم فيها دخل عليه الاستثناء أم لا، فنقول: صيغة المشركين يدخلها الاستثناء عملا بالنقل، وهو عبارة عما لولاه لوجب اندراج المستثنى تحت الحكم، وما من نوع إلا يصح استثناؤه، وما استثنى فيندرج تحت الحكم، فتكون الصيغة للعموم، وهذا العموم إنما حصلناه من مجموع النقل، وتصرف العقل، فإنه لم ينقل إلينا أن الصيغة للعموم البتة، بل تانك المقدمتان فقط، فقد حصل لنا مطلوب لغوي بالتركيب من العقل، والنقل.