وأيضا فالصحابة مع شدة عنايتهم بأمر الدين، واجتهادهم في ضبط أحواله، عجزوا عن ضبط الأمور التي شاهدوها في كل يوم خمس مرات، وهو كون الإقامة فرادى أو مثناة، والجهر بالقراءة، ورفع اليدين، فإذا كان الامر في هذه الأشياء الظاهرة كذلك، فما ظنك باللغات، وكيفية الإعرابات، مع قلة وقعها في القلوب، ومع أنه لم يشتغل بتحصيلها وتدوينها محصل إلا بعد انقراض عصر الصحابة والتابعين؟!
وأما ما يتركب من العقل والنقل، فالاعتراض عليه أن الاستدلال بالمقدمتين النقليتين على النتيجة،
لا يصح إلا إذا ثبت أن المناقضة غير جائزة على الواضع، وهذا إنما يثبت إذا ثبت أن الواضع هو الله تعالى، وقد بينا أن ذلك غير معلوم.
فإن قلت: الناس قد أجمعوا على صحة هذا الطريق، لأنهم لا يثبتون شيئا من مباحث علم النحو والتصريف إلا بهذا الطريق، والإجماع حجة.
قلت: إثبات الإجماع من فروع هذه القاعدة، لأن إثبات الإجماع سمعي، فلا بد فيه من إثبات الدلائل السمعية، والدليل السمعي لا يصح إلا بعد ثبوت اللغة والنحو والتصريف، فالإجماع فرع هذا الأصل، فلو أثبتنا هذا الأصل بالإجماع، لزم الدور؛ وهو محال، فهذا تمام الإشكال.
والجواب: أن اللغة والنحو على قسمين:
أحدهما: المتداول المشهور، والعلم الضروري حاصل بأنها في الازمنة الماضية كانت موضوعة لهذه المعاني؛ فإننا نجد أنفسنا جازمة بأن لفظ السماء والأرض كانتا مستعملتين
في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في هذين